لمحة تاريخية عن الدولة العبيدية
إعداد: عبد الرحمن كيلاني
--------------------------------------------------------------------------------
مقدمة
كثيرة هي الدعوات التي ظهرت في تاريخ المسلمين والتي تدعي الانتساب لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الخلافة من حقهم منصوص عليها بأحاديث مكذوبة نسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد اخترنا أن نتكلم عن أحد هذه الدعوات والتي نتجت عنها دولة العبيديين والتي تدعى تضليلاً للناس دولة الفاطميين، نسبة إلى فاطمة رضي الله عنها. سندرس كيف بدأت هذه الحركة وعقيدتها وتاريخها، وعلاقتها بالتشيع والحركات الأخرى، وما هي الفرق التي تفرعت عنها. وقد اخترنا أن ننقل ما أورده باختصار الأستاذ محمود شاكر في كتابه «التاريخ الإسلامي» عن بدء هذه الحركة، ثم ننتقل إلى الدولة العبيدية وتاريخها..
يقول الأستاذ محمود شاكر:
«نشطت الحركات القرمطية، وتعددت جماعاتها، وإذا كانت قد نُسبَت في أول أمرها إلى قرمط وهو حمدان بن الأشعث، إلا أنه قد أصبحت كل جماعة تحمل فكرة قرمط تُنسب إليه، وهي تعتمد على إطلاق العنان للشهوات البهيمية لاستغلال الشباب واستغلال المحرومين من الحياة الزوجية لبعدهم عن مواطنهم وعدم إمكاناتهم من الزواج، والحاقدين في الوقت نفسه على المتزوجين المنعّمين، كما تعتمد على شيوعية الأموال واستغلال الفقراء والناقمين على الأثرياء، أو استغلال الأرقاء على ساداتهم، ثم الإفساد بالأرض بكل وجوهه وأساليبه.
ففي جنوبي العراق وجد زكرويه بن مهرويه، وهو من أصل فارسي، شدّةً عليه، فمن ناحية ينقم عليه أتباع قرمط وابن عمه عبدان، ومن ناحية ثانية فقد اشتد الخليفة المعتضد في ملاحقة أتباع هذه الأفكار الكافرة من جهة والدنيئة من جهة أخرى، فأما الناحية الأولى فقد انتهى منها بالتخلص من «عبدان» بقتله، ويبدو أن يحيى بن زكرويه هو الذي تولى عملية القتل، ثم تلاه التخلص من حمدان. أما الناحية الثانية وهو ضغط الخليفة فلم يستطع أن يتخلص منه بل اشتدت وطأته عليه، لذا فقد بقي في مخبئه وظن أنه يمكنه أن يضم إليه أتباع قرمط في المستقبل بزوال رئيسهم حمدان، ومفكرهم عبدان ما دامت الفكرة واحدة، ورأى أن بلاد الشام تعمّها الفوضى، والحكم الطولوني فيها قد أصبح ضعيفاً لذا يمكن أن تكون مجالاً لنشاطه فأرسل أولاده. بعث يحيى بعد أن بايعه أتباع أبيه زكرويه في سواد الكوفة عام 289 هـ، ولقّبوه بالشيخ، كما كان يُعرف بأبي القاسم. ادّعى يحيى نسباً إسماعيلياً فزعم أنه محمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وادّعى لجماعته أن ناقته مأمورة، فإن تبعوها ظفروا، وأظهر لهم عضداً ناقصة وزعم أنها آية، وقد تسمّوا بالفاطميين، وأرسل لهم هارون بن خمارويه جيشاً بقيادة «طغج بن جف» فهزمته القرامطة، وسارت نحو دمشق بعد أن انتهبت وانتهكت البلاد التي مرت عليها كلها، وحاصرت دمشق عام 290 هـ ولكنها عجزت عن فتحها، وأرسل الطولونيون لها جيشاً بقيادة «بدر الكبير» غلام أحمد بن طولون، فانتصر على القرامطة وقتل زعيمهم يحيى بن زكرويه.
أرسل زكرويه بن مهرويه من مخبئه ابنه الثاني «الحسين» وادّعى الآخر نسباً إسماعيلياً فزعم أنه أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، ووضع شامة على وجهه، لذا عُرِف باسم «صاحب الخال» أو «أبو شامة» وذكر لأصحابه أنها آية له (!)، وسار في إثر أخيه قبل أن يُقتَل.
لما شعر يحيى بن زكرويه أنه عاجز عن فتح دمشق إذ جاءت أهلها نجدات من بغداد ومن مصر، وأحسّ أنه مقتول لا محالة ادّعى أنه سيطلع إلى السماء غداً، وأنه سيبقى فيها أربعين يوماً، ثم يعود، وأن أخاه «الحسين» سيأتي غداً في نجدة -وكان قد بلغه ذلك- فعليهم بيعته والقتال معه والسير وراءه، وفي اليوم الثاني جرت المعركة قرب دمشق قُتِل فيها يحيى بن زكرويه وكان قد عرف يومذاك بصاحب الجمل حيث كان يمتطي جملاً خاصاً.
وكما اشتدت وطأة المعتضد على القرامطة في جنوبي العراق اشتدت في كل مكان، ففي السلمية في بلاد الشام زاد الطلب على أسرة ميمون القداح التي تزعم أنها تعمل لأبناء محمد ابن إسماعيل، وتريد في الواقع أن تعمل لنفسها وتخفي في الباطن ما تدعو إليه، ولها هدف سياسي واضح من أصلها اليهودي. وبسبب هذا الطلب فقد فرّ عبيد الله بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح من السلمية وهو رأس هذه الأسرة واتجه نحو الجنوب حيث اختفى في الرملة. وفي هذا الوقت كان الحسين بن زكرويه في طريقه من الكوفة إلى أخيه يحيى بدمشق، فعرج الحسين إلى الرملة وعرف مكان عبيد الله، والتقى به، وحاول استرضاءه وإظهار الطاعة له عسى أن يستفيد منه. وأظهر عبيد الله رضاه عنه وموافقته على عمله خوفاً من أن يقتله أو يرشد عليه عامل العباسيين، حيث كان آل زكرويه يريدون التفرُّد بالسلطة، ويرجعون بأصولهم إلى المجوسية، وإن عبيد الله أقوى من أن يقف في وجههم. وما أن غادر الحسين بن زكرويه الرملة حتى انصرف منها أيضاً عبيد الله متجهاً نحو مصر.
سار الحسين من الرملة إلى دمشق فوجد أخاه يحيى قد قُتل، فالتفّ القرامطة حوله، وحاصر بهم دمشق، لكنه عجز عن فتحها، فطلبه أهل حمص فسار إليهم فأطاعوه، ثم انتقل إلى السلمية فامتنعت عنه، ثم فتحت أبوابها له بعد أن أعطى أهلها الأمان، وما أن دخلها حتى نكّل بقانطيها، فأحرق دورها، وهدم القلاع فيها، وقتل الهاشميين فيها [1][1]، دلالةً على الحقد الذي يغلي في صدور هذه الفئة على آل البيت رغم ادّعاء زعمائها بالانتساب إلى آل البيت، ودلالة أيضاً على كراهية الإسلام الذي قضى على المجوسية في فارس؛ ثم قتل عبيد الله بن الحسين القداحي حيث كل منهم يعمل لنفسه وكان عبيد الله قد رفض إعطاء آل زكرويه مراكز مهمة في الدعوة التي يعمل لها. ثم سار الحسين بن زكرويه من السلمية على رأس قرامطته إلى حماة والمعرة وبعلبك وعمل القتل في أهل كل بلد وصل إليها، وأغارت جماعته على حلب، غير أن القرامطة قد هُزِموا في جهات حلب لذا عادوا فاتجهوا إلى جهات الكوفة وهناك قاتلهم الخليفة المكتفي، فوقع الحسين بن زكرويه أسير فحمل إلى بغداد حيث قُتِل وصلب فيها عام 291. وعندما قُتل ولدا زكروبه يحيى والحسين خرج أبوهما من مخبئه الذي اختفى فيه مدة تقرب من ثلاث سنوات، وعندما خرج سجد له أنصاره المقربون الذين يعرفون أهداف الحركة، وسار بأتباعه نحو بلاد الشام فأمعنوا في القتل، واعترضوا طريق القوافل والحجاج، وارتكبوا من الفواحش ما يصعب وصفه، واتجه نحو مدينة دمشق فحاصرها، ولكنه عجز عن فتحها، وأخيراً هُزم وقتل عام 294 بعد أن عاث في الأرض الفساد، وتشتت أتباعه، فمنهم من انتقل إلى البحرين، ومنهم من سار إلى بلاد الكلبية وبهراء في بلاد الشام فاختلط مع أهلها الذين يعيشون في قلاعهم ومعاقلهم في الجبال الشمالية الغربية من بلاد الشام والذين يلتقون معهم ببعض الأفكار وإن كانوا أقرب إلى الأسرة القدّاحية حيث الأصل اليهودي، ومنهم من احتفى في البوادي ثم تحالف مع القبائل الضاربة فيها أو سار إلى أماكن نائية حيث ضاع فعله بين السكان الآخرين. وهكذا انتهى القرامطة من جنوبي العراق، واتجهوا نحو بلاد الشام فهزموا وذابوا.
أما عبيد الله بن الحسين القداحي فقد علم ما حلّ بأهله بالسلمية وما نزل بآل محمد بن إسماعيل فيها أيضاً، فنسب نفسه إلى آل محمد بن إسماعيل، وعلم كذلك أن الدعوة الشيعية قد قويت في بلاد المغرب على يد أبي عبد الله الشيعي الذي سار من اليمن عن طريق رستم بن الحسين بن حوشب الذي يدعو إلى آل البيت عن طريق آل محمد بن إسماعيل، فيمّمَ عبيد الله القداحي وجهه نحو المغرب على أنه عبيد الله بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق!
أما في اليمن فقد كان نجاح رستم بن الحسين بن حوشب واضحاً إذ أسس دولته الإسماعيلية وبدأ يرسل الدعاة إلى عدة جهات ومنها المغرب، وكان من أكبر أعوانه وقادته علي بن الفضل الذي اختلف معه وافتتن بالتفاف الناس حوله، فسار شوطاً بعيداً في الفساد فحكم البلاد، ودخل زبيد وصنعاء، وادّعى النبوة، وأباح المحرمات، وكان المؤذن في مجلسه يوذن «أشهد أن علي ابن الفضل رسول الله». ثم امتد به عتوّه، فجعل يكتب إلى عمّاله: «من باسط الأرض وداحيها، ومزلزل الجبال ومرسيها علي بن الفضل إلى عبده فلان». ثم مات مسموماً عام 303، ولم تلبث دولة القرامطة في اليمن أن دالت.
أما في البحرين فقد قدم إليها عام 281 رجل يقال له يحيى بن المهدي، نزل القطيف ودعا أهلها إلى بيعة المهدي فاستجاب له رجل يقال له علي بن العلاء بن حمدان الزيادي وساعده في الدعوة إلى المهدي، وجمع الشيعة الذين كانوا بالقطيف فاستجابوا له، وكان من جملة من استجاب له أبو سعيد الجنابي واسمه الحسين بن بهرام، ويعود أصلة إلى بلدة (جنَّاب) قرب سيراف [2][2]، وقد نزل إلى البحرين منفياً فعمل سمساراً في الطعام يبيعه، ويحسب للناس الأثمان، ثم بدأ يعمل بالفراء وينتقل بين البحرين وسواد الكوفة، وصحب عبدان أو حمدان وتأثر به، وعندما رجع إلى القطيف برز بين جماعته بدعوته. أما يحيى بن المهدي فقد ادّعى النبوة وانفرد بمجموعة، وتزعم أبو سعيد الجنابي بقية المجموعة وأجابه عدد من السوقة ومن ساءت حالتهم المعاشية، وعددٌ من الشباب الذين أغراهم بالنساء التي جعلها جعلها مباحةً بينهم، كما منّاهم بالمال وامتلاك الأرض، وهيأ لهم طريق الشهرة بالقوة التي أظهرها إذ زاد عددهم وبدا لهم أنهم أصبحوا جماعة يُخشى جانبها فظهروا عام 286 فعاثوا في الأرض الفساد إذ قتلوا وسبوا في بلاد هجر كثيراً ثم ساروا إلى القطيف فقتلوا الكثير من أهلها، وأظهر أبو سعيد الجنابي أنه يريد البصرة فجهز له الخليفة جيشاً قوامه عشرة آلاف بإمرة العباس بن عمرو الغنوي، فانتصر القرامطة وأسروا الجيش العباسي كله، وقتل أبو سعيد الجنابي الأسرى جميعهم باستثناء أمير الجيش الغنوي الذي أطلق سراحه. واستمر نشاط القرامطة حتى عام 301 حيث قُتِل الجنابي على يد خادمه بالحمّام، ثم قَتَل خمسة آخرين من كبارهم وحتى فطن له الباقون إلى أمرهم فاجتمعوا على الخادم وقتلوه. ويبدو أن قرامطة البحرين كانوا من أنصار حمدان القرمطي وابن عمه عبدان، لذا لم يدعموا أبناء زكرويه عندما قاموا بحركاتهم، وإنما عملوا منفردين في منطقة البحرين[3]«[4]
أسس العبيديُّون «الفاطميون» دولتهم على أساس المذهب الإسماعيلي الباطني؛ وقد نصَّ أتباع هذه الفرقة الضالة بإمامة إسماعيل ابن جعفر بعد أبيه جعفر بن أبي عبد الله، بينما قالت فرقة الانثي عشرية (الشيعة) بإمامة أخيه موسى بن جعفر بدلاً منه. وقالت الإسماعيلية بإمامة محمد بن إسماعيل السابع التام بعد أبيه، وإنما تم دور السبعة به، ثم ابتدئ منه بالأئمة المستورين الذين كانوا يسيرون في البلاد ويظهرون الدعوة جهراً. وقالوا: إنما تدور أحكامهم على سبعة كأيام الأسبوع والسماوات السبع والكواكب السبع، والنقباء تدور أحكامهم على اثني عشر، قالوا: وعن هذا وقعت الشبهة للإمامية حيث قرروا عدد النقباء للأئمة، ثم بعد الأئمة المستورين كان ظهور المهدي والقائم بأمر الله وأولادهم نصاً بعد نص على إمام بعد إمام. ومذهبهم أنه من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وكذلك من مات ولم يكن في عنقه بيعة إمام زمانه مات ميتة جاهلية.. وأشهر ألقابهم الباطنية، وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطناً، ولكل تنزيل تأويلاً، ولهم ألقاب غير هذا من القرامطة والمزدكية والملحدة، وهم يقولون نحن إسماعيلية لأننا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا الاسم[5].
أئمة الشيعة الجعفرية والإسماعيلية
1- علي بن أبي طالب
2- الحسن بن علي
3- الحسين بن علي
4- علي زين العابدين بن الحسين
5- محمد الباقر
6- جعفر بن محمد الصادق
الإسماعيلية
الشيعة الجعفرية
7-إسماعيل بن جعفر الصادق
7- موسى الكاظم بن جعفر
8- محمد بن إسماعيل (الإمام السابع التام)
8- علي الرضا بن موسى
دور الأئمة المستورين
9-محمد القانع بن علي
حكام العبيديين
10- علي بن محمد القانع
11-حسن بن علي العسكري
12- محمد المهدي، (لم يولد) [6]
تأسيس الحركة الإسماعيلية
ينسب الدور الأكبر في تنظيم الحركة الإسماعيلية ووضع مبادئها إلى ميمون القداح،والذي يدعى ابن الديصان، وابنه عبد الله. وقد اتبع أتباعه وأولاده أثره في توسيع نطاق الحركة. وقد ظهر ميمون القداح سنة 176هـ بالكوفة، وكان باطنياً خبيثاً، قال بأن لكل ظاهر باطناً، وأمر بالاعتصام بالغائب المفقود، وكان يعتقد اليهودية ويظهر الإسلام. وقد سكن السلمية وتقرب من إسماعيل بن جعفر. وينسب إليه القول بفكرة المنتظر قبل ولادة أبو الحسن العسكري الإمام الأحد عشر عند الشيعة (!).
ويقول الأستاذ أنور الجندي: «يؤكد مؤرخو الغرب، مثل دي ساسي وديموج بوجه خاص، بوجود دافع سياسي لدى عبد الله بن ميمون القداح في القضاء على سلطان العرب والإسلام الذي جلب إليهم تلك السلطة، وإرجاع مجد فارس القديم مرة أخرى. ويؤكد الدكتور عبد الله الدوري في كتابه (العصور العباسية المتأخرة) القول بأن القداح أراد أن يقوض الإسلام فأشعل الشعور الشيعي عند الجماهير وكون المذهب القرمطي المؤدي إلى الإلحاد واستغل اسم اسماعيل بن جعفر الصادق في إثارة حركة شيعية[7]قوية تنقل الملك إلى أحد أحفاده باسم المهدي» أهـ.
من المناسب هنا أن نشير إلى خطورة مرحلة «دور الستْر» التي مرَّت به الدعوة الإسماعيلية بعد الإمام التام محمد بن إسماعيل، لأنه لولا هذا الدور ما استطاع دعاتها أن يختفوا عن أنظار الدولة العباسية التي كانت تلاحقهم أولاً، ثم إنهم ثانياً استطاعوا من خلال هذا الدور أن يلفِّقوا مسألة النسب. فميمون القداح وابنه عبد الله استقروا في منطقة السلمية من أعمال حماة مع محمد بن إسماعيل وأهل بيته والذي كان من بينهم عبد الله بن محمد. وهنا يورد بايارد دودج Bayard Dodge في سلسلة مقالاته عن الإسماعيلية عبارة تثير الانتباه، قال: «وفي الحقيقة، إن كان بعض الناس يعتقدون أن الإمام محمد وميمون يمثلان شخصاً واحداً، فإنه من السهل أن يُعتقَد أنّ [عبد الله] ابن محمد [ابن إسماعيل] هو نفسه عبد الله بن ميمون!»[8] ومن النظر إلى سلسلة نسب ميمون وأولاده وإسماعيل وأولاد نعلم مدى دقة الخطة التي كان ينفذها ميمون وأولاده لسرقة نسب إسماعيل، وبالتالي ظهورهم على الناس بأنهم هم من أهل البيت وأنهم أحق بالحكم من بني العباس، ومن ثم تنفيذ خطتهم في تحطيم الدولة العباسية، والإسلام. وتاريخ العبيديين يشهد بهذا.
وقد أكد عبد القاهر البغدادي، صاحب كتاب (الفَرق بين الفِرَق) أن الذين وضعوا أساس الباطنية كانوا من أولاد المجوس، وكانوا مائلين إلى دين أسلافهم، وقال: «لا تجد على ظهر الأرض مجوسياً إلاّ وهو موالٍ لهم "أي الباطنية" منتظر لظهورهم على الديار».
إعداد: عبد الرحمن كيلاني
--------------------------------------------------------------------------------
مقدمة
كثيرة هي الدعوات التي ظهرت في تاريخ المسلمين والتي تدعي الانتساب لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الخلافة من حقهم منصوص عليها بأحاديث مكذوبة نسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد اخترنا أن نتكلم عن أحد هذه الدعوات والتي نتجت عنها دولة العبيديين والتي تدعى تضليلاً للناس دولة الفاطميين، نسبة إلى فاطمة رضي الله عنها. سندرس كيف بدأت هذه الحركة وعقيدتها وتاريخها، وعلاقتها بالتشيع والحركات الأخرى، وما هي الفرق التي تفرعت عنها. وقد اخترنا أن ننقل ما أورده باختصار الأستاذ محمود شاكر في كتابه «التاريخ الإسلامي» عن بدء هذه الحركة، ثم ننتقل إلى الدولة العبيدية وتاريخها..
يقول الأستاذ محمود شاكر:
«نشطت الحركات القرمطية، وتعددت جماعاتها، وإذا كانت قد نُسبَت في أول أمرها إلى قرمط وهو حمدان بن الأشعث، إلا أنه قد أصبحت كل جماعة تحمل فكرة قرمط تُنسب إليه، وهي تعتمد على إطلاق العنان للشهوات البهيمية لاستغلال الشباب واستغلال المحرومين من الحياة الزوجية لبعدهم عن مواطنهم وعدم إمكاناتهم من الزواج، والحاقدين في الوقت نفسه على المتزوجين المنعّمين، كما تعتمد على شيوعية الأموال واستغلال الفقراء والناقمين على الأثرياء، أو استغلال الأرقاء على ساداتهم، ثم الإفساد بالأرض بكل وجوهه وأساليبه.
ففي جنوبي العراق وجد زكرويه بن مهرويه، وهو من أصل فارسي، شدّةً عليه، فمن ناحية ينقم عليه أتباع قرمط وابن عمه عبدان، ومن ناحية ثانية فقد اشتد الخليفة المعتضد في ملاحقة أتباع هذه الأفكار الكافرة من جهة والدنيئة من جهة أخرى، فأما الناحية الأولى فقد انتهى منها بالتخلص من «عبدان» بقتله، ويبدو أن يحيى بن زكرويه هو الذي تولى عملية القتل، ثم تلاه التخلص من حمدان. أما الناحية الثانية وهو ضغط الخليفة فلم يستطع أن يتخلص منه بل اشتدت وطأته عليه، لذا فقد بقي في مخبئه وظن أنه يمكنه أن يضم إليه أتباع قرمط في المستقبل بزوال رئيسهم حمدان، ومفكرهم عبدان ما دامت الفكرة واحدة، ورأى أن بلاد الشام تعمّها الفوضى، والحكم الطولوني فيها قد أصبح ضعيفاً لذا يمكن أن تكون مجالاً لنشاطه فأرسل أولاده. بعث يحيى بعد أن بايعه أتباع أبيه زكرويه في سواد الكوفة عام 289 هـ، ولقّبوه بالشيخ، كما كان يُعرف بأبي القاسم. ادّعى يحيى نسباً إسماعيلياً فزعم أنه محمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وادّعى لجماعته أن ناقته مأمورة، فإن تبعوها ظفروا، وأظهر لهم عضداً ناقصة وزعم أنها آية، وقد تسمّوا بالفاطميين، وأرسل لهم هارون بن خمارويه جيشاً بقيادة «طغج بن جف» فهزمته القرامطة، وسارت نحو دمشق بعد أن انتهبت وانتهكت البلاد التي مرت عليها كلها، وحاصرت دمشق عام 290 هـ ولكنها عجزت عن فتحها، وأرسل الطولونيون لها جيشاً بقيادة «بدر الكبير» غلام أحمد بن طولون، فانتصر على القرامطة وقتل زعيمهم يحيى بن زكرويه.
أرسل زكرويه بن مهرويه من مخبئه ابنه الثاني «الحسين» وادّعى الآخر نسباً إسماعيلياً فزعم أنه أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، ووضع شامة على وجهه، لذا عُرِف باسم «صاحب الخال» أو «أبو شامة» وذكر لأصحابه أنها آية له (!)، وسار في إثر أخيه قبل أن يُقتَل.
لما شعر يحيى بن زكرويه أنه عاجز عن فتح دمشق إذ جاءت أهلها نجدات من بغداد ومن مصر، وأحسّ أنه مقتول لا محالة ادّعى أنه سيطلع إلى السماء غداً، وأنه سيبقى فيها أربعين يوماً، ثم يعود، وأن أخاه «الحسين» سيأتي غداً في نجدة -وكان قد بلغه ذلك- فعليهم بيعته والقتال معه والسير وراءه، وفي اليوم الثاني جرت المعركة قرب دمشق قُتِل فيها يحيى بن زكرويه وكان قد عرف يومذاك بصاحب الجمل حيث كان يمتطي جملاً خاصاً.
وكما اشتدت وطأة المعتضد على القرامطة في جنوبي العراق اشتدت في كل مكان، ففي السلمية في بلاد الشام زاد الطلب على أسرة ميمون القداح التي تزعم أنها تعمل لأبناء محمد ابن إسماعيل، وتريد في الواقع أن تعمل لنفسها وتخفي في الباطن ما تدعو إليه، ولها هدف سياسي واضح من أصلها اليهودي. وبسبب هذا الطلب فقد فرّ عبيد الله بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح من السلمية وهو رأس هذه الأسرة واتجه نحو الجنوب حيث اختفى في الرملة. وفي هذا الوقت كان الحسين بن زكرويه في طريقه من الكوفة إلى أخيه يحيى بدمشق، فعرج الحسين إلى الرملة وعرف مكان عبيد الله، والتقى به، وحاول استرضاءه وإظهار الطاعة له عسى أن يستفيد منه. وأظهر عبيد الله رضاه عنه وموافقته على عمله خوفاً من أن يقتله أو يرشد عليه عامل العباسيين، حيث كان آل زكرويه يريدون التفرُّد بالسلطة، ويرجعون بأصولهم إلى المجوسية، وإن عبيد الله أقوى من أن يقف في وجههم. وما أن غادر الحسين بن زكرويه الرملة حتى انصرف منها أيضاً عبيد الله متجهاً نحو مصر.
سار الحسين من الرملة إلى دمشق فوجد أخاه يحيى قد قُتل، فالتفّ القرامطة حوله، وحاصر بهم دمشق، لكنه عجز عن فتحها، فطلبه أهل حمص فسار إليهم فأطاعوه، ثم انتقل إلى السلمية فامتنعت عنه، ثم فتحت أبوابها له بعد أن أعطى أهلها الأمان، وما أن دخلها حتى نكّل بقانطيها، فأحرق دورها، وهدم القلاع فيها، وقتل الهاشميين فيها [1][1]، دلالةً على الحقد الذي يغلي في صدور هذه الفئة على آل البيت رغم ادّعاء زعمائها بالانتساب إلى آل البيت، ودلالة أيضاً على كراهية الإسلام الذي قضى على المجوسية في فارس؛ ثم قتل عبيد الله بن الحسين القداحي حيث كل منهم يعمل لنفسه وكان عبيد الله قد رفض إعطاء آل زكرويه مراكز مهمة في الدعوة التي يعمل لها. ثم سار الحسين بن زكرويه من السلمية على رأس قرامطته إلى حماة والمعرة وبعلبك وعمل القتل في أهل كل بلد وصل إليها، وأغارت جماعته على حلب، غير أن القرامطة قد هُزِموا في جهات حلب لذا عادوا فاتجهوا إلى جهات الكوفة وهناك قاتلهم الخليفة المكتفي، فوقع الحسين بن زكرويه أسير فحمل إلى بغداد حيث قُتِل وصلب فيها عام 291. وعندما قُتل ولدا زكروبه يحيى والحسين خرج أبوهما من مخبئه الذي اختفى فيه مدة تقرب من ثلاث سنوات، وعندما خرج سجد له أنصاره المقربون الذين يعرفون أهداف الحركة، وسار بأتباعه نحو بلاد الشام فأمعنوا في القتل، واعترضوا طريق القوافل والحجاج، وارتكبوا من الفواحش ما يصعب وصفه، واتجه نحو مدينة دمشق فحاصرها، ولكنه عجز عن فتحها، وأخيراً هُزم وقتل عام 294 بعد أن عاث في الأرض الفساد، وتشتت أتباعه، فمنهم من انتقل إلى البحرين، ومنهم من سار إلى بلاد الكلبية وبهراء في بلاد الشام فاختلط مع أهلها الذين يعيشون في قلاعهم ومعاقلهم في الجبال الشمالية الغربية من بلاد الشام والذين يلتقون معهم ببعض الأفكار وإن كانوا أقرب إلى الأسرة القدّاحية حيث الأصل اليهودي، ومنهم من احتفى في البوادي ثم تحالف مع القبائل الضاربة فيها أو سار إلى أماكن نائية حيث ضاع فعله بين السكان الآخرين. وهكذا انتهى القرامطة من جنوبي العراق، واتجهوا نحو بلاد الشام فهزموا وذابوا.
أما عبيد الله بن الحسين القداحي فقد علم ما حلّ بأهله بالسلمية وما نزل بآل محمد بن إسماعيل فيها أيضاً، فنسب نفسه إلى آل محمد بن إسماعيل، وعلم كذلك أن الدعوة الشيعية قد قويت في بلاد المغرب على يد أبي عبد الله الشيعي الذي سار من اليمن عن طريق رستم بن الحسين بن حوشب الذي يدعو إلى آل البيت عن طريق آل محمد بن إسماعيل، فيمّمَ عبيد الله القداحي وجهه نحو المغرب على أنه عبيد الله بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق!
أما في اليمن فقد كان نجاح رستم بن الحسين بن حوشب واضحاً إذ أسس دولته الإسماعيلية وبدأ يرسل الدعاة إلى عدة جهات ومنها المغرب، وكان من أكبر أعوانه وقادته علي بن الفضل الذي اختلف معه وافتتن بالتفاف الناس حوله، فسار شوطاً بعيداً في الفساد فحكم البلاد، ودخل زبيد وصنعاء، وادّعى النبوة، وأباح المحرمات، وكان المؤذن في مجلسه يوذن «أشهد أن علي ابن الفضل رسول الله». ثم امتد به عتوّه، فجعل يكتب إلى عمّاله: «من باسط الأرض وداحيها، ومزلزل الجبال ومرسيها علي بن الفضل إلى عبده فلان». ثم مات مسموماً عام 303، ولم تلبث دولة القرامطة في اليمن أن دالت.
أما في البحرين فقد قدم إليها عام 281 رجل يقال له يحيى بن المهدي، نزل القطيف ودعا أهلها إلى بيعة المهدي فاستجاب له رجل يقال له علي بن العلاء بن حمدان الزيادي وساعده في الدعوة إلى المهدي، وجمع الشيعة الذين كانوا بالقطيف فاستجابوا له، وكان من جملة من استجاب له أبو سعيد الجنابي واسمه الحسين بن بهرام، ويعود أصلة إلى بلدة (جنَّاب) قرب سيراف [2][2]، وقد نزل إلى البحرين منفياً فعمل سمساراً في الطعام يبيعه، ويحسب للناس الأثمان، ثم بدأ يعمل بالفراء وينتقل بين البحرين وسواد الكوفة، وصحب عبدان أو حمدان وتأثر به، وعندما رجع إلى القطيف برز بين جماعته بدعوته. أما يحيى بن المهدي فقد ادّعى النبوة وانفرد بمجموعة، وتزعم أبو سعيد الجنابي بقية المجموعة وأجابه عدد من السوقة ومن ساءت حالتهم المعاشية، وعددٌ من الشباب الذين أغراهم بالنساء التي جعلها جعلها مباحةً بينهم، كما منّاهم بالمال وامتلاك الأرض، وهيأ لهم طريق الشهرة بالقوة التي أظهرها إذ زاد عددهم وبدا لهم أنهم أصبحوا جماعة يُخشى جانبها فظهروا عام 286 فعاثوا في الأرض الفساد إذ قتلوا وسبوا في بلاد هجر كثيراً ثم ساروا إلى القطيف فقتلوا الكثير من أهلها، وأظهر أبو سعيد الجنابي أنه يريد البصرة فجهز له الخليفة جيشاً قوامه عشرة آلاف بإمرة العباس بن عمرو الغنوي، فانتصر القرامطة وأسروا الجيش العباسي كله، وقتل أبو سعيد الجنابي الأسرى جميعهم باستثناء أمير الجيش الغنوي الذي أطلق سراحه. واستمر نشاط القرامطة حتى عام 301 حيث قُتِل الجنابي على يد خادمه بالحمّام، ثم قَتَل خمسة آخرين من كبارهم وحتى فطن له الباقون إلى أمرهم فاجتمعوا على الخادم وقتلوه. ويبدو أن قرامطة البحرين كانوا من أنصار حمدان القرمطي وابن عمه عبدان، لذا لم يدعموا أبناء زكرويه عندما قاموا بحركاتهم، وإنما عملوا منفردين في منطقة البحرين[3]«[4]
أسس العبيديُّون «الفاطميون» دولتهم على أساس المذهب الإسماعيلي الباطني؛ وقد نصَّ أتباع هذه الفرقة الضالة بإمامة إسماعيل ابن جعفر بعد أبيه جعفر بن أبي عبد الله، بينما قالت فرقة الانثي عشرية (الشيعة) بإمامة أخيه موسى بن جعفر بدلاً منه. وقالت الإسماعيلية بإمامة محمد بن إسماعيل السابع التام بعد أبيه، وإنما تم دور السبعة به، ثم ابتدئ منه بالأئمة المستورين الذين كانوا يسيرون في البلاد ويظهرون الدعوة جهراً. وقالوا: إنما تدور أحكامهم على سبعة كأيام الأسبوع والسماوات السبع والكواكب السبع، والنقباء تدور أحكامهم على اثني عشر، قالوا: وعن هذا وقعت الشبهة للإمامية حيث قرروا عدد النقباء للأئمة، ثم بعد الأئمة المستورين كان ظهور المهدي والقائم بأمر الله وأولادهم نصاً بعد نص على إمام بعد إمام. ومذهبهم أنه من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وكذلك من مات ولم يكن في عنقه بيعة إمام زمانه مات ميتة جاهلية.. وأشهر ألقابهم الباطنية، وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطناً، ولكل تنزيل تأويلاً، ولهم ألقاب غير هذا من القرامطة والمزدكية والملحدة، وهم يقولون نحن إسماعيلية لأننا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا الاسم[5].
أئمة الشيعة الجعفرية والإسماعيلية
1- علي بن أبي طالب
2- الحسن بن علي
3- الحسين بن علي
4- علي زين العابدين بن الحسين
5- محمد الباقر
6- جعفر بن محمد الصادق
الإسماعيلية
الشيعة الجعفرية
7-إسماعيل بن جعفر الصادق
7- موسى الكاظم بن جعفر
8- محمد بن إسماعيل (الإمام السابع التام)
8- علي الرضا بن موسى
دور الأئمة المستورين
9-محمد القانع بن علي
حكام العبيديين
10- علي بن محمد القانع
11-حسن بن علي العسكري
12- محمد المهدي، (لم يولد) [6]
تأسيس الحركة الإسماعيلية
ينسب الدور الأكبر في تنظيم الحركة الإسماعيلية ووضع مبادئها إلى ميمون القداح،والذي يدعى ابن الديصان، وابنه عبد الله. وقد اتبع أتباعه وأولاده أثره في توسيع نطاق الحركة. وقد ظهر ميمون القداح سنة 176هـ بالكوفة، وكان باطنياً خبيثاً، قال بأن لكل ظاهر باطناً، وأمر بالاعتصام بالغائب المفقود، وكان يعتقد اليهودية ويظهر الإسلام. وقد سكن السلمية وتقرب من إسماعيل بن جعفر. وينسب إليه القول بفكرة المنتظر قبل ولادة أبو الحسن العسكري الإمام الأحد عشر عند الشيعة (!).
ويقول الأستاذ أنور الجندي: «يؤكد مؤرخو الغرب، مثل دي ساسي وديموج بوجه خاص، بوجود دافع سياسي لدى عبد الله بن ميمون القداح في القضاء على سلطان العرب والإسلام الذي جلب إليهم تلك السلطة، وإرجاع مجد فارس القديم مرة أخرى. ويؤكد الدكتور عبد الله الدوري في كتابه (العصور العباسية المتأخرة) القول بأن القداح أراد أن يقوض الإسلام فأشعل الشعور الشيعي عند الجماهير وكون المذهب القرمطي المؤدي إلى الإلحاد واستغل اسم اسماعيل بن جعفر الصادق في إثارة حركة شيعية[7]قوية تنقل الملك إلى أحد أحفاده باسم المهدي» أهـ.
من المناسب هنا أن نشير إلى خطورة مرحلة «دور الستْر» التي مرَّت به الدعوة الإسماعيلية بعد الإمام التام محمد بن إسماعيل، لأنه لولا هذا الدور ما استطاع دعاتها أن يختفوا عن أنظار الدولة العباسية التي كانت تلاحقهم أولاً، ثم إنهم ثانياً استطاعوا من خلال هذا الدور أن يلفِّقوا مسألة النسب. فميمون القداح وابنه عبد الله استقروا في منطقة السلمية من أعمال حماة مع محمد بن إسماعيل وأهل بيته والذي كان من بينهم عبد الله بن محمد. وهنا يورد بايارد دودج Bayard Dodge في سلسلة مقالاته عن الإسماعيلية عبارة تثير الانتباه، قال: «وفي الحقيقة، إن كان بعض الناس يعتقدون أن الإمام محمد وميمون يمثلان شخصاً واحداً، فإنه من السهل أن يُعتقَد أنّ [عبد الله] ابن محمد [ابن إسماعيل] هو نفسه عبد الله بن ميمون!»[8] ومن النظر إلى سلسلة نسب ميمون وأولاده وإسماعيل وأولاد نعلم مدى دقة الخطة التي كان ينفذها ميمون وأولاده لسرقة نسب إسماعيل، وبالتالي ظهورهم على الناس بأنهم هم من أهل البيت وأنهم أحق بالحكم من بني العباس، ومن ثم تنفيذ خطتهم في تحطيم الدولة العباسية، والإسلام. وتاريخ العبيديين يشهد بهذا.
وقد أكد عبد القاهر البغدادي، صاحب كتاب (الفَرق بين الفِرَق) أن الذين وضعوا أساس الباطنية كانوا من أولاد المجوس، وكانوا مائلين إلى دين أسلافهم، وقال: «لا تجد على ظهر الأرض مجوسياً إلاّ وهو موالٍ لهم "أي الباطنية" منتظر لظهورهم على الديار».