الشيعة والقرآن
إحسان إلهي ظهير رحمه الله
عقيدة الشيعة في الدّور الأوّل من القرآن
كل من يريد أن يعرف عقيدة الشيعة في القرآن، ويتحقق فيه ويبحث لا بد له من أن يرجع إلى أمهات كتب القوم ومراجعهم الأصلية في الحديث والتفسير حتى يكون منصفاً في الحكم، وعادلاً في الاستنتاج، لأنه عليها مدار عقائدهم ومعول خلافاتهم مع الآخرين، وبالتمسك برواياتهم التي رووها حسب زعمهم عن أئمتهم المعصومين من سلالة علي - - رضي الله عنه - من طرقهم الخاصة وأسانيدهم المخصوصة يتميزون عن الفرق الأخرى من المسلمين كما قال شيعي معاصر في الرد علينا:
أما ديننا فهومنزه من كل ما يشين ويزري لأن أصوله وفروعه ممتدة من أهل بيت النبي الذين هم أدرى بما عند النبي، وأدرى بما في القرآن الذي تنزل على جدهم، والذين هم خزانة علمه، وباب حكمته، وتراجمة وحيه، وأولهم علي بن أبي طالب الذي هوأخوالرسول وصهره ووصيه والمطلع على جميع أسراره، والذي احتاج إلى علمه كل الصحابة بما فيهم الخلفاء ولم يحتج هولأحد منهم، والذي قال فيه شوقي:
نفس النبي المصطفى وفرعه ودينه عند اللقا وشرعه
العمران يأخذان عنه والقمران نسختان منه
ولا خير في دين لم يستند لهذا البيت الذي قرنه رسول الله مع كتابه المجيد وجعلهما سبب الهداية للبشر ما إن تمسكوا بهما ولن ينفلك بعضهما عن البعض" ["كتاب الشيعة والسنة في الميزان" ص98، 99 ط دار الزهراء بيروت].
وأيضاً: فأهل البيت الذين هم منبع ديننا ومرشدوا أحكامنا" ["كتاب الشيعة والسنة في الميزان" ص114].
وقال آخر:
والشيعة لا ذنب لهم غير ولائهم لعترة النبي - - صلى الله عليه وسلم -، والتمسك بهم، وبسيرتهم" ["صوت الحق ودعوة الصدق" للطف الله الصافي ص38 ط بيروت].
هذا ومثل هذا التفاخر كثير وكثير، وكتب القوم كلها مليئة منه، ولكننا اكتفينا بعبارة الاثنين الذين تصديا للرد علينا.
فيلزم الباحث المنصف أن لا ينسب شيئاً إلى القوم إلا أن يكون ثابتاً من أئمتهم، والظاهر أنه لا يثبت إلا حينما يكون وارداً في الكتب التي خصصت لإيراد مروياتهم وأحاديثهم، وهذه الكتب إما أن تكون من كتب الحديث أوالتفسير، وخاصة الكتب القديمة التي روت هذه الروايات بالسند، أووافق على صحتها أئمة القوم المعصومين.
ونحن نلزم أنفسنا في هذا الباب أن لا نورد شيئاً إلا ويكون صادرا من واحد من الأئمة الاثنى عشر، ومن كتب الشيعة أنفسهم المعتمدة لديهم والموثوقة عندهم، لبيان أن الشيعة في عصر الأئمة قاطبة من بكرة أبيهم - ولا أستثني منهم واحداً - كانوا يعتقدون أن القرآن محرف ومغير فيه، زيد فيه ونقص منه كثير.
فنبدأ من (الكافي) للكليني، الذي قيل فيه:
هوأجلّ الكتب الأربعة الأصول المعتمدة عليها، لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول، لثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي المتوفى سنة 328ه" ["الذريعة إلى تصانيف الشيعة" لآغا بزرك الطهراني ج17 ص245].
و"هوأجلّ الكتب الإسلامية، وأعظم المصنفات الإمامية، والذي لم يعمل للإمامية مثله، قال المولى محمد أمين الاسترآبادي في محكي فوائده: سمعنا عن مشائخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام تاب يوازيه أويدانيه" [الكنى والألقاب" للعباس القمي ج3 ص98، ومثله في "مستدرك الوسائل" ج3 ص532].
وأيضاً "الكافي. . . . أشرفها وأوثقها، وأتمها وأجمعها لاشتماله في الأصول من بينها، وخلوه من الفضول وشينها" ["الوافي" ج1 ص6].
وذكر الخوانساري أن المحدث النيسابوري قال في الكافي:
"ثقة الإسلام، قدوة الأعلام، والبدر التمام، جامع السنن والآثار في حضور سفراء الإمام عليه أفضل السلام، الشيخ أبوجعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي، محيي طريقة أهل البيت على رأس المائة الثالثة، المؤلف لجامع (الكافي) في مدة عشرين سنة، المتوفى قبل وقوع الغيبة الكبرى - - رضي الله عنه - في الآخرة والأولى، وكتابه مستغن عن الإطراء، لأنه - - رضي الله عنه - كان بمحضر من نوابه عليه السلام وقد سأله بعض الشيعة من النائية تأليف كتاب (الكافي) لكونه بحضرة من يفاوضه ويذاكره ممن يثق بعلمه، فألف وصنف وشنف، وحكى أنه عرض عليه فقال: كاف لشيعتنا" ["روضات الجنات" ج6 ص116].
وقال الحسين على المقدم عن (الكافي):
يعتقد بعض العلماء أنه عرض على القائم (أي الإمام الثاني عشر الغائب المزعوم) صلوات الله عليه، فاستحسنه وقال: كاف لشيعتنا" [مقدمة "الكافي" ص25].
و"روى الكليني عمن لا يتناهى كثرة من علماء أهل البيت عليهم السلام ورجالهم ومحدثيهم، فكتابه خلاصة آثار الصادقين عليهم السلام وعيبة سننهم القائمة" [مقدمة "الكافي" ص25].
هذا قليل من كثير مما قالوه في كتابه
وأما ما قالوه فيه، فقال النجاشي:
شيخ أصحابنا في وقته بالرأي، ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم" ["رجال النجاشي"].
وقال ابن الطاؤس:
الشيخ المتفق على ثقته وأمانته، أبلغ فيما يرويه، وأصدق في الدراسة" ["كشف المحجة" ص258 و"فرج الهموم" ص190 نقلاً عن مقدمة الكتاب].
وقال القمي:
كان مجدداً مذهب الإمامية على رأس المائة الأولى محمد بن علي الباقر (ع) - الإمام الخامس عند القوم -، وعلى رأس المائة الثانية علي بن موسى الرضا (ع) - الإمام الثامن عندهم -، وعلى رأس المائة الثالثة أبوجعفر محمد بن يعقوب الكليني" ["الكنى والألقاب" ج3 ص99، أيضاً "روضات الجنات" ج6 ص111].
وقال الخوانساري:
وبالجملة فشأن الرجل أجل وأعظم من أن يختفي على أعيان الفريقين، أويكتسي ثوب الإجمال لدى ذي عينين، أوينتفي أثر إشراقه يوماً من البين، إذ هوفي الحقيقة أمين الإسلام. وفي الطريقة دليل الأعلام. وفي الشريعة جليل مقدام، ليس في وثاقته لأحد كلام، ولا في مكانته عند أئمة الأنام، وحسب الدلالة على اختصاصه بمزيد الفضل وإتقان الأمر، اتفاق الطائفة على كونه أوثق المحمدين الثلاثة الذين هم أصحاب الكتب الأربعة، ورؤساء هذه الشرعة المتبعة" ["روضات الجنات" للخوانساري ج6 ص112].
فذاك هوالكافي وهذا هوالكليني.
فهذا الكليني يروي في ذاك الكافي:
عن علي بن الحكم عن هشام بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد - - صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر ألف آية" ["الكافي" للكليني ج2 ص634 كتاب فضل القرآن].
والمعروف أن القرآن ستة آلاف ومائتان وثلاث وستون آية، ومعناه أن ثلثي القرآن راح على أدراج الرياح، والموجود هوالثلث، ولقد صرح بذلك جعفر بن الباقر كما ذكر الكليني في كافيه أيضاً تحت باب "ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام".
"عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن عبد الله الحجال عن أحمد بن عمر الحلبي، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: جعلت فداك إني أسألك عن مسألة، ههنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبوعبد الله عليه السلام ستراً بينه وبين آخر فأطلع فيه ثم قال: يا أبا محمد سل عما بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - علّم علياً عليه السلام باباً يفتح له منه ألف باب يفتح من كل باب ألف باب قال: قلت: هذا والله العلم قال: فنكت ساعة في الأرض ثم قال: إنه لعلم وما هوبذاك.
قال: ثم قال: يا أبا محمد! وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة؟ قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش وضرب بيده إلي فقال: تأذن لي يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا - كأنه مغضب - قال: قلت: هذا والله العلم قال: إنه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر؟ قال قلت: وما الجفر؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، علم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قال قلت: إن هذا هوالعلم، قال إنه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا والله العلم قال: إنه لعلم وما هوبذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: إن عندنا علم ما كان وعلم ما هوكائن إلى أن تقوم الساعة، قال: قلت: جعلت فداك هذا والله هوالعلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك.
قال: قلت: جعلت فداك فأي شيء العلم؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار، الأمر من بعد الأمر، والشيء بعد الشيء، إلى يوم القيامة" ["الأصول من الكافي" ج1 ص239، 240].
فأي قسم الذي حذف؟ يبينه الكليني أيضاً من إمامه المعصوم محمد الباقر - الإمام الخامس عند القوم - حيث يروي:
"عن أبي علي العشري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن إسحاق بن عمار عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال:
نزل القرآن أربعة أرباع، ربع فينا، وربع في عدونا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام" ["الكافي" في الأصول، كتاب فضل القرآن ج2 ص628].
ومثله روي عن علي - - رضي الله عنه - حيث أورد الرواية:
"عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي يحيى، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول:
نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا وفي عدونا، وثلث سنن أمثال، وثلث فرائض وأحكام" ["الكافي" ج2 ص627].
ومثال لذلك الحذف؟ - يبينه الكليني أيضاً ي كافيه:
عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله، عن محمد بن عيسى القمي، عن محمد بن سليمان، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل" كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام من ذريتهم "فنسي" هكذا والله نزلت على محمد - - صلى الله عليه وسلم -" ["الكافي" ج1 ص16].
وأيضاً "علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: دفع إلى أبوالحسن عليه السلام مصحفاً وقال لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه "لم يكن الذين كفروا" فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم قال: فابعث إلي بالمصحف" ["الكافي" ج2 ص631].
وأين هذا القرآن الآن؟
روى الكليني أيضاً "عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبوعبد الله عليه السلام: كفّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم عيه السلام قرأ كتاب الله عز وجل على حد. وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام وقال: أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد - - صلى الله عليه وسلم -، وقد جمعته من اللوحين فقالوا: هوذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه، فقال أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان على أن أخبركم حين جمعته لتقرؤه" ["الكافي" ج2 ص633].
هذه، ومثل هذه الروايات كثيرة كثيرة في أوثق كتاب من كتب القوم، الذي عرض على الإمام الغائب فأوثقه وجعله كافياً لشيعته أعرضنا عنها لما أنها وردت في كتاب (فصل الخطاب) الذي خصصنا له الباب الرابع من هذا الكتاب تجنباً عن التكرار.
والمقصود أن الكليني روى هذه الروايات من أئمته المعصومين وأنهم كانوا يقولون بالتحريف في القرآن الموجود بأيدي الناس، كما كانوا يوعزون إلى شيعتهم أن يعتقدوا بمثل هذا الاعتقاد، ولقد وردت في هذه الروايات الثمانية عقيدة الأربعة من الأئمة - علي بن أبي طالب، محمد الباقر، ابنه جعفر، وأبي الحسن [والكلام تنازلاً على معتقدات الشيعة. وإلا فنحن نؤمن بأن كل هذه الروايات خرافات وأباطيل، لا صحة لها مطلقاً وبتاتاً لأن هؤلاء الأجلة مبرؤون عما يتهمهم هؤلاء الأفاكون الكذابون، واعتقادهم في القرآن اعتقاد جميع المسلمين - وهم قادتهم وقدوتهم - أن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وضمن الله حفظه بقوله: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
وهذه هي العقيدة التي هي من أهم الفوارق بين المسلمين عامة وبين الشيعة] وفي الكتاب إثبات لهذه العقيدة من أئمته الآخرين الذين لم نورد رواياتهم للسبب الذي ذكرناه آنفاً، وسوف تأتي في محلها إن شاء الله.
ونذكر بعد هذا كتاباً آخر قديماً، معتمداً عند القوم، وهوالكتاب الذي ألف أيضاً في زمن أئمة الشيعة المعصومين لديهم. ألا وهوتفسير القمي.
فالقمي علي بن إبراهيم هوشيخ مشائخ الشيعة في الحديث وفي التفسير، حيث أن محمد بن يعقوب الكليني صاحب أهم كتاب من الصحاح الأربعة الشيعية أكثر الرواية عنه في كتابه (الكافي) فهوتلميذه، وقال عنه النجاشي:
ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنف كتباً، وله كتاب التفسير" ["رجال النجاشي" ص183].
و"هومن أجلّ رواة أصحابنا، ويروي عنه مشائخ أهل الحديث، ولم نقف على تاريخ وفاته إلا أنه كان حياً في سنة 307ه" ["الكنى والألقاب" ج3 ص68].
و"كان في عصر أبي الحسن محمد الإمام العسكري عليه السلام" ["الذريعة" لآغا بزرك الطهراني ج4 ص302].
هذا وكتبوا في تفسيره:
أولاً: إن هذا التفسير أصل أصول للتفاسير الكثيرة.
ثانياً: إن رواياته مروية عن الصادقين عليهما السلام مع قلة الوسائط والإسناد ولهذا قال في الذريعة: إنه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما السلام.
ثالثاً: مؤلفه كان في زمن الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
رابعاً: أبوه الذي روى هذه الأخبار لابنه كان صحابياً للإمام الرضا عليه السلام.
خامساً: إن فيه علماً جماً من فضائل أهل البيت عليهم السلام التي سعى أعداؤهم لإخراجها من القرآن الكريم.
سادساً: إنه متكفل لبيان كثير من الآيات القرآنية التي لم يفهم مرادها تماماً إلا بمعونة إرشاد أهل البيت عليهم السلام التالين للقرآن" ["مقدمة تفسير القمي" للسيد طيب موسوي الجزائري ص15].
فذاك القمي يذكر في مقدمة تفسيره:
"فالقرآن منه ناسخ ومنسوخ، ومنه محكم ومنه متشابه، ومنه عام ومنه خاص، ومنه تقديم ومنه تأخير، ومنه منقطع ومنه معطوف، ومنه حرف مكان حرف، ومنه على خلاف ما أنزل الله" ["تفسير القمي" ج1 ص5].
وأيضاً "وأما ما هوكان على خلاف ما أنزل اله فهوقوله - {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله -} فقال أبوعبد الله عليه السلام لقارئ هذه الآية (خير أمة) يقتلون أمير المؤمنين والحسين بن علي عليه السلام؟ فقيل له وكيف نزلت يا ابن رسول الله؟ فقال إنما نزلت (كنتم خير أئمة أخرجت للناس) ألا ترى مدح الله بهم في آخر الآية (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) ومثله آية قرأت على أبي عبد الله عليه السلام - {الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً -} فقال أبوعبد الله عليه السلام لقد سألوا الله عظيماً أن يجعلهم للمتقين إماماً فقيل له يا ابن رسول الله كيف نزلت؟ فقال إنما نزلت (الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إماماً) وقوله - {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله -} فقال أبوعبد الله كيف يحفظ الشيء من أمر الله وكيف يكون المعقب من بين يديه فقيل له وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ فقال إنما نزلت (له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله) ومثله كثير" ["تفسير القمي" ج1 ص10].
وقد كتب على ظهر هذا الكتاب المطبوع:
"هومن أقدم التفاسير التي كشفت القناع عن الآيات النازلة في أهل البيت عليه السلام".
وكذلك العياشي محمد بن مسعود بن عياش السلمي المعروف بالعياشي.
قال فيه النجاشي: ثقة، صدوق، عين من عيون هذه الطائفة" ["رجال النجاشي" ص247].
وقال الخوانساري نقلاً عن (معالم العلماء): أنه كان أكبر أهل الشرق علماً وفضلاً وأدباً وفهماً ونبلاً في زمانه، صنف أكثر من مائتي مصنف" ["روضات الجنات" ج6 ص130].
وقال القمي: قال مشائخ الرجال:
إنه ثقة، صدوق، عين من عيون هذه الطائفة وكبيرها، جليل القدر، واسع الأخبار، بعيد بالرواية، مضطلع بها، له كتب كثيرة تزيد على مائتي مصنف، منه كتاب التفسير المعروف، ونقل عن ابن النديم أنه قال في حقه: من فقهاء الشيعة الإمامية أوحد دهره وزمانه في غزارة العلم" ["الكنى والألقاب" ج2 ص449، 450].
وقال الطباطبائي: هومن أعيان علماء الشيعة وأساطين الحديث والتفسير بالرواية ممن عاش في القرن الثالث من الهجرة، وأما كتابه فقد تلقاه علماء هذا الشأن منذ ألف إلى يومنا هذا - ويقرب من أحد عشر قرناً - بالقبول من غير أن يذكر بقدح أويغمض إليه بطرف" [مقدمة حول الكتاب ومؤلفه لمحمد حسين الطباطبائي ص ح].
وكتب الطهراني في (الذريعة):
"تفسير العياشي لأبي النضر محمد بن مسعود. . . . وهومن مشائخ الكشي، ومن طبقة ثقة الإسلام الكليني" ["الذريعة" ج4 ص295].
فهذا العياشي يذكر في مقدمة تفسيره عن الأصبغ بن نباتة قال:
سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا وفي عدون، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام" [مقدمة التفسير تحت عنوان "فيما أنزل القرآن" ج1 ص9، وأورد هذه الرواية المجلسي في "البحار" ج19 ص30، والصافي في تفسيره ج1 ص14، والبحراني في "البرهان" ج1 ص21].
و"عن داؤد بن فرقد، عمن أخبره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لوقد قرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمين" ["العياشي" ج1 ص13، أيضاً "مقدمة البرهان" ص37].
و"عن ميسر عن أبي جعفر عليه السلام:
لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقنا على ذي حجي" ["البرهان" مقدمة ص37، وورد هذا الحديث في "البحار" ج19 ص30، و"إثبات الهدى" ج3 ص43، 44] وغيرها من الروايات الكثيرة التي يأتي ذكرها في محلها.
ورابعهم محمد بن الحسن الصفار الذي قال عنه النجاشي:
كان وجهاً في أصحابنا القميين، ثقة. عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية. له كتب، منها كتاب (بصائر الدرجات) توفي في سنة 290ه" ["رجال الكشي" ص251، ومثله في "الكنى والألقاب" ج2 ص379].
و"هومن تلامذة حسن العسكري - الإمام الحادي عشر المعصوم عند القوم -" ["الذريعة" ج3 ص125].
يورد في كتابه عقيدته في القرآن عن إمامه المعصوم بروايته المتصلة الموصولة:
حدثنا علي بن محمد، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داؤد، عن يحيى بن أديم، عن شريك، عن جابر قال: قال أبوجعفر (ع): دعا رسول الله أصحابه بمنى، فقال:
يا أيها الناس! إني تارك فيكم حرمات الله: وعترتي، والكعبة البيت الحرام ثم قال أبوجعفر: أما كتاب الله فحرفوا، وأما الكعبة فهدموا، وأما العترة فقتلوا، وكل ودايع الله فقد تبرؤا" ["بصائر الدرجات" الجزء الثامن، الباب السابع عشر ط إيران 1285ه].
وأيضاً، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب عن عمروبن أبي المقدام، عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
ما من أحد من الناس ادعى أنه جمع القرآن كله كما أنزل الله إلا كذب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده" [نقلاً عن "البرهان" ج1 ص15].
وأيضاً "عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر أنه قال:
في القرآن ما مضى وما يحدث، وما هوكائن، وكانت فيه أسماء رجال فألقيت، وإنما الاسم الواحد في وجوه لا تحصى، يعرف ذلك الوصاة" [نقلاً عن "البرهان" ج1 ص15].
وخامسهم فرات بن إبراهيم الكوفي فنكفي بذكره وذكر تفسيره عن الطهراني في كتابه (الذريعة).
تفسير فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي المقصور على الروايات عن الأئمة الهداة عليهم السلام، وقد أكثر فيه من الرواية عن الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي نزيل قم والمتوفى بها الذي كان من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي عليهم السلام، وقد شارك أخاه الحسن في رواية الكتب الثلاثين كما شاركه ابنه أحمد بن الحسين في الرواية عن جميع شيوخ أبيه، وكذلك أكثر فيه من الرواية عن جعفر بن محمد بن مالك البزاز الفزاري الكوفي (المتوفى حدود 300) وكان هوالمربي والمعلم لأبي غالب الزراري (المولود 285) بعد إخراجه عن الكتب وجعله في البزازين كما ذكره أبوغالب في رسالته إلى ابن ابنه، وكذلك أكثر من الرواية عن عبيد بن كثير العامري الكوفي (المتوفى 214) مؤلف كتاب "التخريج" الذي ذكرناه في (ص1) من هذا الجزء، وقد ذكر لكل من هؤلاء مشايخ كثيرة وأسانيد عديدة، وكذلك يروى فيه عن سائر مشايخه البالغين إلى نيف وماية كلهم من رواة أحاديثنا بطرقهم المسندة إلى الأئمة الأطهار عليهم السلام وليس لأكثرهم ذكر ولا ترجمة في أصولنا الرجالية، ولكن من الأسف أنه عمد بعض إلى إسقاط أكثر تلك الأسانيد واكتفى بقوله مثلاً (فرات عن حسين بن سعيد معنعناً عن فلان) وهكذا في غالب الأسانيد فأشار بقوله معنعناً إلى أن الرواية التي ذكرها فرات كانت مسندة معنعنة، وإنما تركتها للاختصار، ويروي التفسير عن فرات والد الشيخ الصدوق، وهوأبوالحسن علي بن الحسين بن بابويه (المتوفى 329) كما أنه يروي والد الصدوق أيضاً عن علي بن إبراهيم المفسر القمي (الذي توفي بعد 307)، ولعل فرات أيضاً بقي إلى حدود تلك السنة، وأما الشيخ الصدوق فيروي في كتبه عنه كثيراً إما بواسطة والده أوبواسطة شيخه الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، وكما يروي الهاشي هذا عن فرات كذلك يروي عن والد أبي قيراط جعفر بن محمد (الذي توفي 308) فيقول احتمال أن فرات أيضاً أدرك أوائل المائة ارابعة كوالد أبي
قيراط، ونسخه كثيرة في تبريز والكاظمية والنجف الأشرف أوله: (الحمد لله غافر الذنوب، وكاشف الكروب، وعالم الغيوب، والمطلع على أسرار القلوب)، واعتمد عليه من القدماء بعد الصدوقين الشيخ الحاكم ابوالقاسم الحسكاني، فينقل عن هذا التفسير في كتابه (شواهد التنزيل) وينقل عنه غياث بن إبراهيم في تفسيره الذي مر آنفاً وهومن مآخذ كتاب (البحار) قال العلامة المجلسي في أوله: وتفسير فرات وإن لم يتعرض الأصحاب لمؤلفه بمدح ولا قدح لكن كون أخباره موافقاً لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة وحسن الضبط في نقلها مما يعطي الوثوق بمؤلفه وحسن الظن به) " ["الذريعة إلى تصانيف الشيعة" لآغا بزرك الطهراني ج4 ص489، 499].
وبهذا يظهر قيمة الرجل وقيمة كتابه.
وقال السيد الصدر عنه: إنه كان في عصر الإمام الجواد بن الرضا عليه السلام" ["كتاب الشيعة وفنون الإسلام" نقلاً عن ترجمة المؤلف من الكتاب].
وقال الأورد باري:
لم يزل علماؤنا يعون على هذا الكتاب منذ ألف إلى وقتنا الحاضر كما هوظاهر من تقدم ذكرهم من مترجميه وحسبه ثقة رواية مثل أبي الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي والد شيخنا الصدوق عنه، الذي عكف العلماء على العمل بفتاواه في رسالته إلى ولده عنه أعواز النصوص، لأنه لم يثبت فيها إلا عيون ألفاظ رواها عن أئمة الهدى عليهم السلام ثقة منهم بما يرويه.
وإن من جملة ما استأثره بالرواية هذا التفسير كما يدلنا عليه كتاب والده رئيس المحدثين الشيخ الصدوق في (الأمالي) وكتاب (أخبار الزهراء) وغيرهما من كتبه عن فرات بوساطة أبيه تارة وعن شيخه الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي تارة أخرى.
واعتماد الصدوق عليه بعد والده كما يكشف عنه إكثاره وإصراره على الرواية عنه بأحد الواسطتين من أوضح شواهد الوثاقة وأعظم مرجحات العمل وعلى مثله المدار في التمييز في الصحيح والسقيم" ["تفسير الفرات الكوفي" ص2، 3].
وقال الخوانساري:
فرات بن إبراهيم المحدث العميد والمفسر الحميد، صاحب كتاب التفسير الكبير الذي هوبلسان الأخبار، وأكثر أخباره في شأن الأئمة الأطهار عليهم سلام الله الملك الغفار، وهومذكور في عداد تفسيري العياشي وعلي بن إبراهيم القمي، ويروي عنه في (الوسائل) و (البحار) على سبيل الاعتماد والاعتبار، ذكره المحدث النيسابوري في رجاله بعد ما تركه سائر أصحاب الكتب في الرجال، فقال: له كتاب تفسيره المعروف عن محمد بن أحمد بن علي الهمداني، قال شيخنا المجلسي رحمه الله في كتابه (يحار الأنوار) تفسير فرات وإن لم يتعرض من الأصحاب لمؤلفه بمدح وقدح لكن كون أخياره موافقة لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة، وحسن الضبط في نقلها ما يعطي الوثوق لمؤلفه وحسن الظن به.
وقد روى الصدوق رحمه الله عنه أخباراً بتوسط الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي.
وروى عنه الحاكم أبوالقاسم الحسكاني" ["روضات الجنات" ج5 ص353، 354].
فهذا الفرات أيضاً سرد روايات كثيرة تدل دلالة واضحة على أن القرآن محرف ومغير فيه، كما أنه في مقدمة كتابه أورد رواية عن علي بن أبي طالب:
"أنزل القرآن أربعة أرباع" [انظر مقدمة الكتاب ص1].
وبقية الأحاديث تأتي في محلها.
وهكذا سليم بن قيس العامري الذي يعدونه من أصحاب علي - - رضي الله عنه - أورد روايات في كتابه مثل التي ذكرناها قبل.
فهؤلاء محدثوالقوم ومفسروهم ورواتهم الأجلة في العصور الأولى لقوا أئمتهم ورووا عنهم بلا واسطة وبواسطة. فكلهم يروون مثل هذه الروايات، ويعتقدون بهذه العقيدة أي عقيدة تحريف القرآن وتغييره وهؤلاء هم عمدة المذهب، وتلك كتبهم عليها مدار عقائد الشيعة، لولاهم ولولاها لما ثبت لهم شيء، ولأجل ذلك قال النوري الطبرسي:
اعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتمدة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية" ["فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" ص252].
ثم خلفهم خلف من المحدثين والمفسرين، كلهم انتهجوا منهجهم وسلكوا مسلكهم، وأوردوا روايات وذكروا أحاديث صريحة في مدلولها، وواضحة في معناها بلغت حد التواتر وزادت عليه، حتى قال السيد نعمت الله الجزائري:
إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً والتصديق بها" ["فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" ص31].
وقد ذكر رواة هذه الأحاديث والمعتقدين بها وعدهم محدث القوم النوري الطبرسي ي كتابه (فصل الخطاب) واحداً بعد واحد تحت عنوان "المقدمة الثالث في ذكر أقوال علمائنا رضوان الله عليهم أجمعين في تغيير القرآن وعدمه" فيقول:
فاعلم أن لهم في ذلك أقوالاً مشهورها اثنان.
الأول وقوع التغيير والنقصان فيه وهومذهب الشيخ الجليل علي بن إبراهيم القمي شيخ الكليني في تفسيره صرح بذلك في أوله وملأ كتابه من أخباره مع التزامه في أوله بأن لا يذكر فيه إلا مشايخه وثقاته ومذهب تلميذه ثقة الإسلام الكليني رحمه الله على ما نسبه إليه جماعة لنقله الأخبار الكثيرة الصريحة في هذا المعنى في كتاب الحجة خصوصاً في باب النكث والنتف من التنزيل وفي الروضة من غير تعرض لردها أوتأويلها واستظهر المحقق السيد محسن الكاظمي في شرح الوافية مذهبه في الباب الذي عقده في وسماه "باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام" فإن الظاهر من طريقته أنه إنما يعقد الباب لما يرتضيه قلت وهوكما ذكره فإن مذاهب القدماء تعلم غالباً من عناوين أبوابهم، وبه صرح أيضاً العلامة المجلسي في مرآة العقول، وبهذا يعلم مذهب الثقة الجليل محمد بن الحسن الصفار في كتاب البصائر من الباب الذي له أيضاً فيه وعنوانه هكذا "باب في الأئمة عليهم السلام أن عندهم لجميع القرآن الذي أنزل على رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - " وهوأصرح في الدلالة مما في الكافي ومن باب "أن الأئمة عليهم السلام محدثون" وهذا المذهب صريح الثقة محمد بن إبراهيم النعمان تلميذ الكليني صاحب كتاب الغيبة المشهور في تفسيره الصغير الذي اقتصر فيه على ذكر أنواع الآيات وأقسامها وهوبمنزلة الشرح لمقدمة تفسير علي إبراهيم، وصريح الثقة الجليل سعد بن عبد الله القمي في كتاب ناسخ القرآن ومنسوخه كما في المجلد التاسع عشر من البحار، فإنه عقد فيه باباً ترجمته باب التحريف في الآيات التي هي خلاف ما أنزل الله عز وجل مما رواه مشائخنا رحمة الله عليهم من العلماء من آل محمد عليهم السلام" ثم ساق مرسلاً أخباراً كثيرة تأتي في الدليل الثاني عشر فلاحظ، وصرح السيد علي بن أحمد الكوفي في كتاب بدع المحدثة وقد نقلنا سابقاً عنه ما ذكره فيه في هذا المعنى، وذكر أيضاً في جملة بدع
عثمان ما لفظه "وقد أجمع أهل النقل والآثار من الخاص والعام أن هذا الذي في أيدي الناس من القرآن ليس هذا القرآن كله، وإنه ذهب من القرآن ما ليس هوفي أيدي الناس، وهوأيضاً ظاهر أجلة المفسرين وأئمتهم الشيخ الجليل محمد بن مسعود العياشي، والشيخ فرات بن إبراهيم الكوفي، والثقة النقد محمد بن العباس الماهيار فقد ملئوا تفاسيرهم عن الأخبار الصريحة في هذا المعنى كما يأتي ذكرها، بل روى الأول في أول كتابه أخباراً عامة صريحة فيه، فنسبة هذا القول إليهم كنسبته إلى علي بن إبراهيم، بل صرح بنسبته إلى العياشي جماعة كثيرة، وممن صرح بهذا القول ونصره الشيخ الأعظم محمد بن محمد بن النعمان المفيد فقال في المسائل السرورية على ما نقله العلامة المجلسي في مرآة العقول، والمحدث البحراني في الدرر النجفية ما لفظه "إن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى وتنزيله وليس فيه شيء آخر من كلام البشر وهوجمهور المنزل والباقي مما أنزله الله تعالى قرآناً عند المستحفظ للشريعة، المستودع للأحكام لم يضيع منه شيء وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع لأسباب دعته إلى ذلك.
منها قصوره عن معرفة بعضه.
منها ما شك فيه.
ومنها ما تعمد إخراجه، وقد جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن المنزل من أوله إلى آخر، وألفه بحسب ما وجب من تأليفه فقدم المكي على المدني والمنسوخ على الناسخ ووضع كل شيء منه في موضعه ولذا قال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: أما والله لوقرء القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين كما سمي من كان قبلنا وقال عليهم السلام: نزل القرآن أربعة أرباع، ربع فينا وربع في أعدائنا، وربع قصص وأمثال، وربع قضايا وأحكام، ولنا أهل البيت فضائل القرآن" ثم قال: غير أن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم السلام أنهم قد أمروا بقرائة ما بين الدفتين وأن لا نتعداه إلى زيادة فيه ولا إلى نقصان منه إلى أن يقوم القائم عليه السلام فيقرأ الناس على ما أنزل الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين عليه السلام وإنما نهونا عن قرائة ما وردت به الأخبار من أحرف تزيد على الثابت في المصحف لأنها لم تأت على التواتر وإنما جاء بها الأخبار والواحد قد يغلطه فيما ينقله ولأنه متى قرأ الإنسان بما يخالف ما بين الدفتين غرر بنفسه من أهل الخلاف وأغرى به الجبارين وعرض نفسه للهلاك فمنعونا من قراءة القرآن بخلاف ما أثبت بين الدفتين" انتهى وقال في موضع من كتاب المقالات: واتفقوا أي الإمامية على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي - - صلى الله عليه وسلم - وقال في موضع آخر: فأما القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني لم ير فرقاً فيما ذكرناه وعد النجاشي من كتبه "كتاب البيان في تأليف القرآن" والظاهر أنه مقصور على إثبات هذا المطلب والله العالم، ويأتي إن شاء الله ما رواه في إرشاده من الأخبار الصريحة في وقوع التغيير فيه، نعم مال في موضع من الكتاب المذكور بعد ما صرح بورود الأخبار المستفيضة باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان
وأنه ليس أن يدعي عدم النقصان فيه حجة يعتمد عليها إلى تأويل تلك الأخبار، وإن المراد منها أنه حذف من مصحف أمير المؤمنين عليه السلام ما كان من التأويل والتفسير، وهذا مناف لبعض وجوه النقص التي ذكرها في المسائل السرورية، ثم إنه رحمه الله نسب بعد ذلك القول بالنقصان من نفس الآيات حقيقة بل زيادة كلمة أوكلمتين مما لا يبلغ حد الإعجاز إلى بني نوبخت رحمهم الله وجماعة من متكلمي عصابة الشيعة، وأعيانهم مذكورون في كتب الرجال، وقد التزم في هذه الكتب بنقل أقوالهم.
منهم شيخ المتكلمين ومتقدم النوبختيين أبوسهل إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت صاحب الكتب الكثيرة التي منها كتاب التنبيه في الإمامة قد ينقل عنه صاحب صراط المستقيم. وابن أخته الشيخ المتكلم الفيلسوف أبومحمد حسن بن موسى صاحب التصانيف الجيدة منها كتاب الفرق والديانات وعندنا منه نسخة، والشيخ الجليل أبوإسحاق إبراهيم بن نوبخت صاحب كتاب الياقوت الذي شرحه العلامة ووصفه في أوله بقوله: شيخنا الأقدم وإمامنا الأعظم.
ومنهم إسحاق الكاتب الذي شاهد الحجة عجل الله فرجه، ورئيس هذه الطائفة الشيخ الذي ربما قيل بعصمته أبوالقاسم حسين بن روح بن أبي بحر النوبختي السفير الثالث بين الشيعة والحجة صلوات الله عليه، وممن يظهر منه القول بالتحريف العالم الفاضل المتكلم حاجب بن الليث بن السراج كذا وصفه في رياض العلماء، وهوالذي سأل عن المفيد المسائل المعروفة قال في بعض كلماته ورأينا الناس بعد الرسول - - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا اختلافاً عظيماً في فروع الدين وبعض أصوله حتى لم يتفقوا على شيء منه وحرفوا الكتاب وجمع كل واحد منهم مصحفاً زعم أنه الحق إلى آخر ما تقدم، وممن ذهب إلى هذا القول الشيخ الثقة الجليل الأقدم فضل بن شاذان في مواضع من كتاب الإيضاح. وممن ذهب إليه من القدماء الشيخ الجليل محمد بن الحسن الشيباني صاحب تفسير "نهج البيان عن كشف معاني القرآن" في مقدماته ويظهر من تراجم الرواة أيضاً شيوع هذا المذهب حتى أفرد له بالتصنيف جماعة.
فمنهم الشيخ الثقة أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب كتاب المحاسن المشتمل على كتب كثيرة، وعد الشيخ الطوسي في الفهرست والنجاشي من كتبه "كتاب التحريف".
ومنهم والده الثقة محمد بن خالد عد النجاشي من كتبه "كتاب التنزيل والتغيير".
ومنهم الشيخ الثقة الذي لم يعثر له على زلة في الحديث كما ذكروا علي بن الحسن بن فضال، عد من كتبه "كتاب التنزيل من القرآن والتحريف".
ومنهم محمد بن الحسن الصيرني، في الفهرست له "كتاب التحريف والتبديل.
ومنهم أحمد بن محمد بن سيار، عد الشيخ والنجاشي من كتبه "كتاب القرآن" وقد نقل عنه ابن ماهيار الثقة في تفسيره كثيراً وكذا الشيخ حسن بن سليمان الحلي تلميذ الشهيد في مختصر البصاير وسماه "التنزيل والتحريف" ونقل عنه الأستاذ الأكبر في حاشية المدارك في بحث القراءة وعندنا منه نسخة.
ومنهم الثقة الجليل محمد بن العباس بن علي بن مروان الماهيار المعروف بابن الحجام صاحب التفسير المعروف المقصور على ذكر ما نزل في أهل البيت عليهم السلام ذكروا أنه لم يصنف في أصحابنا مثله، وأنه ألف ورقة، وفي الفهرست له "كتاب قراءة أمير المؤمنين عليه السلام" وكتاب "قراءة أهل البيت عليهم السلام" وقد أكثر من نقل أخبار التحريف في كتابه كما يأتي:
ومنهم أبوطاهر عبد الواحد بن عمر القمي. ذكر ابن شهر آشوب في معالم العلماء أن له كتاباً "في قراءة أمير المؤمنين عليه السلام وحروفه" والحرف في الأخبار وكلمات القدماء يطلق على الكلمة كقول الباقر والصادق عليهما السلام في تبديل كلمة آل محمد بآل عمران حرف مكان حرف، وعلى الآية كقول بعض الصحابة في سورة أنى أحفظ منها حرفاً أوحرفين يا أيها الذين آمنوا إلى آخر الآية ومنه قول أمير المؤمنين عليه السلام والله ما حرف نزل على محمد - - صلى الله عليه وسلم - إلا وأنا أعرف فيمن نزل وفي أي موضع نزل، وعلى الحروف الهجائية وهي كثيرة، وعلى الأعم من الأول والأخير كقول أبي جعفر عليه السلام ولم يزد فيه أي في القرآن إلا حروف أخطأت به الكتاب، وله إطلاقات آخر لا ربط لها بالمقام.
ومنهم صاحب كتاب تفسير القرآن وتأويله وتنزيله وناسخه ومنسوخاً محكمه ومتشابهه وزيادات حروفه وفضائله وثوابه روايات الثقات عن الصادقين من آل رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين، كذا في سعد السعود للسيد الجليل علي بن طاؤس ره.
ومنهم صاحب كتاب ذكر السيد في الكتاب المذكور أنه مكتوب فيه مقرأ رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - وعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد وزيد ابني علي بن الحسين وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر صلوات الله عليهم ونقل عنهم حديثاً يأتي في سورة آل عمران.
ومنهم صاحب كتاب الرد على أهل التبديل ذكره ابن شهر آشوب في مناقبه كما في البحار ونقل عنه بعض الأخبار الدالة على أن مراده من أهل التبديل هوالعامة وغرضه من الرد هوالطعن عليهم به لأن السبب فيه إعراض أسلافهم عن حافظه وواعيه" ["فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" ص26 إلى ص31 ط إيران 1298ه].
"فارجع البصر هل ترى من فتور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهوحسير" [سورة الملك الآية3، 4].
فأولئك هم أعيان الشيعة وأساطينها، وهذه هي كتبهم أعدها وأعدهم الطبرسي واحداً بعد واحد.
وزاد على تلك الأسماء السيد طيب موسوي الجزائري في مقدمته على تفسير القمي تحت عنوان "تحريف القرآن" السيد نعمت الله الجزائري والحر العاملي والعلامة الفتوني والسيد البحراني [هل يستطيع الصافي أوواحد ممن يؤيده ويسانده أن يثبت واحداً من السنة صرح باسمه أنه كان يعتقد التحريف في القرآن ويستدل من الأحاديث أوالروايات المزعومة التي تنسبها الشيعة إلى السنة؟ وأعيد القول هل أحد من الشيعة يستطيع أن يثبت عن السنة مثل ما أثبتناه عن الشيعة ويذكر أسمائهم وبالألفاظ الصريحة أنهم يعتقدون التحريف في القرآن، وأما ذكر الصافي (الفرقان) الذي ألفه أحد الملاحدة في مصر سنة 1948م فلا يلزم به أهل السنة؟ لأننا نعد كل من يقول مثل هذا القول كافراً، خارجاً عن الملة الحنيفية البيضاء، جاحداً قول الله عز وجل:
"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
وقول الله عز وجل: "ذلك الكتاب لا ريب فيه"، ولذلك قام أهل السنة بمصر بالاحتجاج ضد هذا الكتاب، وطلبوا مصادرته بعد ما بينوا بالدلائل والبراهين أوجه البطلان والفساد، فاستجابت الحكومة السنية في مصر آنذاك هذا الطلب وصادر الكتاب، وهذا هوموقف السنة من القرآن ومن يخالفه ويعارضه ويقول فيه ما يهويه ويشتهيه.
إحسان إلهي ظهير رحمه الله
عقيدة الشيعة في الدّور الأوّل من القرآن
كل من يريد أن يعرف عقيدة الشيعة في القرآن، ويتحقق فيه ويبحث لا بد له من أن يرجع إلى أمهات كتب القوم ومراجعهم الأصلية في الحديث والتفسير حتى يكون منصفاً في الحكم، وعادلاً في الاستنتاج، لأنه عليها مدار عقائدهم ومعول خلافاتهم مع الآخرين، وبالتمسك برواياتهم التي رووها حسب زعمهم عن أئمتهم المعصومين من سلالة علي - - رضي الله عنه - من طرقهم الخاصة وأسانيدهم المخصوصة يتميزون عن الفرق الأخرى من المسلمين كما قال شيعي معاصر في الرد علينا:
أما ديننا فهومنزه من كل ما يشين ويزري لأن أصوله وفروعه ممتدة من أهل بيت النبي الذين هم أدرى بما عند النبي، وأدرى بما في القرآن الذي تنزل على جدهم، والذين هم خزانة علمه، وباب حكمته، وتراجمة وحيه، وأولهم علي بن أبي طالب الذي هوأخوالرسول وصهره ووصيه والمطلع على جميع أسراره، والذي احتاج إلى علمه كل الصحابة بما فيهم الخلفاء ولم يحتج هولأحد منهم، والذي قال فيه شوقي:
نفس النبي المصطفى وفرعه ودينه عند اللقا وشرعه
العمران يأخذان عنه والقمران نسختان منه
ولا خير في دين لم يستند لهذا البيت الذي قرنه رسول الله مع كتابه المجيد وجعلهما سبب الهداية للبشر ما إن تمسكوا بهما ولن ينفلك بعضهما عن البعض" ["كتاب الشيعة والسنة في الميزان" ص98، 99 ط دار الزهراء بيروت].
وأيضاً: فأهل البيت الذين هم منبع ديننا ومرشدوا أحكامنا" ["كتاب الشيعة والسنة في الميزان" ص114].
وقال آخر:
والشيعة لا ذنب لهم غير ولائهم لعترة النبي - - صلى الله عليه وسلم -، والتمسك بهم، وبسيرتهم" ["صوت الحق ودعوة الصدق" للطف الله الصافي ص38 ط بيروت].
هذا ومثل هذا التفاخر كثير وكثير، وكتب القوم كلها مليئة منه، ولكننا اكتفينا بعبارة الاثنين الذين تصديا للرد علينا.
فيلزم الباحث المنصف أن لا ينسب شيئاً إلى القوم إلا أن يكون ثابتاً من أئمتهم، والظاهر أنه لا يثبت إلا حينما يكون وارداً في الكتب التي خصصت لإيراد مروياتهم وأحاديثهم، وهذه الكتب إما أن تكون من كتب الحديث أوالتفسير، وخاصة الكتب القديمة التي روت هذه الروايات بالسند، أووافق على صحتها أئمة القوم المعصومين.
ونحن نلزم أنفسنا في هذا الباب أن لا نورد شيئاً إلا ويكون صادرا من واحد من الأئمة الاثنى عشر، ومن كتب الشيعة أنفسهم المعتمدة لديهم والموثوقة عندهم، لبيان أن الشيعة في عصر الأئمة قاطبة من بكرة أبيهم - ولا أستثني منهم واحداً - كانوا يعتقدون أن القرآن محرف ومغير فيه، زيد فيه ونقص منه كثير.
فنبدأ من (الكافي) للكليني، الذي قيل فيه:
هوأجلّ الكتب الأربعة الأصول المعتمدة عليها، لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول، لثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي المتوفى سنة 328ه" ["الذريعة إلى تصانيف الشيعة" لآغا بزرك الطهراني ج17 ص245].
و"هوأجلّ الكتب الإسلامية، وأعظم المصنفات الإمامية، والذي لم يعمل للإمامية مثله، قال المولى محمد أمين الاسترآبادي في محكي فوائده: سمعنا عن مشائخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام تاب يوازيه أويدانيه" [الكنى والألقاب" للعباس القمي ج3 ص98، ومثله في "مستدرك الوسائل" ج3 ص532].
وأيضاً "الكافي. . . . أشرفها وأوثقها، وأتمها وأجمعها لاشتماله في الأصول من بينها، وخلوه من الفضول وشينها" ["الوافي" ج1 ص6].
وذكر الخوانساري أن المحدث النيسابوري قال في الكافي:
"ثقة الإسلام، قدوة الأعلام، والبدر التمام، جامع السنن والآثار في حضور سفراء الإمام عليه أفضل السلام، الشيخ أبوجعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي، محيي طريقة أهل البيت على رأس المائة الثالثة، المؤلف لجامع (الكافي) في مدة عشرين سنة، المتوفى قبل وقوع الغيبة الكبرى - - رضي الله عنه - في الآخرة والأولى، وكتابه مستغن عن الإطراء، لأنه - - رضي الله عنه - كان بمحضر من نوابه عليه السلام وقد سأله بعض الشيعة من النائية تأليف كتاب (الكافي) لكونه بحضرة من يفاوضه ويذاكره ممن يثق بعلمه، فألف وصنف وشنف، وحكى أنه عرض عليه فقال: كاف لشيعتنا" ["روضات الجنات" ج6 ص116].
وقال الحسين على المقدم عن (الكافي):
يعتقد بعض العلماء أنه عرض على القائم (أي الإمام الثاني عشر الغائب المزعوم) صلوات الله عليه، فاستحسنه وقال: كاف لشيعتنا" [مقدمة "الكافي" ص25].
و"روى الكليني عمن لا يتناهى كثرة من علماء أهل البيت عليهم السلام ورجالهم ومحدثيهم، فكتابه خلاصة آثار الصادقين عليهم السلام وعيبة سننهم القائمة" [مقدمة "الكافي" ص25].
هذا قليل من كثير مما قالوه في كتابه
وأما ما قالوه فيه، فقال النجاشي:
شيخ أصحابنا في وقته بالرأي، ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم" ["رجال النجاشي"].
وقال ابن الطاؤس:
الشيخ المتفق على ثقته وأمانته، أبلغ فيما يرويه، وأصدق في الدراسة" ["كشف المحجة" ص258 و"فرج الهموم" ص190 نقلاً عن مقدمة الكتاب].
وقال القمي:
كان مجدداً مذهب الإمامية على رأس المائة الأولى محمد بن علي الباقر (ع) - الإمام الخامس عند القوم -، وعلى رأس المائة الثانية علي بن موسى الرضا (ع) - الإمام الثامن عندهم -، وعلى رأس المائة الثالثة أبوجعفر محمد بن يعقوب الكليني" ["الكنى والألقاب" ج3 ص99، أيضاً "روضات الجنات" ج6 ص111].
وقال الخوانساري:
وبالجملة فشأن الرجل أجل وأعظم من أن يختفي على أعيان الفريقين، أويكتسي ثوب الإجمال لدى ذي عينين، أوينتفي أثر إشراقه يوماً من البين، إذ هوفي الحقيقة أمين الإسلام. وفي الطريقة دليل الأعلام. وفي الشريعة جليل مقدام، ليس في وثاقته لأحد كلام، ولا في مكانته عند أئمة الأنام، وحسب الدلالة على اختصاصه بمزيد الفضل وإتقان الأمر، اتفاق الطائفة على كونه أوثق المحمدين الثلاثة الذين هم أصحاب الكتب الأربعة، ورؤساء هذه الشرعة المتبعة" ["روضات الجنات" للخوانساري ج6 ص112].
فذاك هوالكافي وهذا هوالكليني.
فهذا الكليني يروي في ذاك الكافي:
عن علي بن الحكم عن هشام بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد - - صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر ألف آية" ["الكافي" للكليني ج2 ص634 كتاب فضل القرآن].
والمعروف أن القرآن ستة آلاف ومائتان وثلاث وستون آية، ومعناه أن ثلثي القرآن راح على أدراج الرياح، والموجود هوالثلث، ولقد صرح بذلك جعفر بن الباقر كما ذكر الكليني في كافيه أيضاً تحت باب "ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام".
"عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن عبد الله الحجال عن أحمد بن عمر الحلبي، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: جعلت فداك إني أسألك عن مسألة، ههنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبوعبد الله عليه السلام ستراً بينه وبين آخر فأطلع فيه ثم قال: يا أبا محمد سل عما بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - علّم علياً عليه السلام باباً يفتح له منه ألف باب يفتح من كل باب ألف باب قال: قلت: هذا والله العلم قال: فنكت ساعة في الأرض ثم قال: إنه لعلم وما هوبذاك.
قال: ثم قال: يا أبا محمد! وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة؟ قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش وضرب بيده إلي فقال: تأذن لي يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا - كأنه مغضب - قال: قلت: هذا والله العلم قال: إنه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر؟ قال قلت: وما الجفر؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، علم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قال قلت: إن هذا هوالعلم، قال إنه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا والله العلم قال: إنه لعلم وما هوبذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: إن عندنا علم ما كان وعلم ما هوكائن إلى أن تقوم الساعة، قال: قلت: جعلت فداك هذا والله هوالعلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك.
قال: قلت: جعلت فداك فأي شيء العلم؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار، الأمر من بعد الأمر، والشيء بعد الشيء، إلى يوم القيامة" ["الأصول من الكافي" ج1 ص239، 240].
فأي قسم الذي حذف؟ يبينه الكليني أيضاً من إمامه المعصوم محمد الباقر - الإمام الخامس عند القوم - حيث يروي:
"عن أبي علي العشري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن إسحاق بن عمار عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال:
نزل القرآن أربعة أرباع، ربع فينا، وربع في عدونا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام" ["الكافي" في الأصول، كتاب فضل القرآن ج2 ص628].
ومثله روي عن علي - - رضي الله عنه - حيث أورد الرواية:
"عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي يحيى، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول:
نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا وفي عدونا، وثلث سنن أمثال، وثلث فرائض وأحكام" ["الكافي" ج2 ص627].
ومثال لذلك الحذف؟ - يبينه الكليني أيضاً ي كافيه:
عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله، عن محمد بن عيسى القمي، عن محمد بن سليمان، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل" كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام من ذريتهم "فنسي" هكذا والله نزلت على محمد - - صلى الله عليه وسلم -" ["الكافي" ج1 ص16].
وأيضاً "علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: دفع إلى أبوالحسن عليه السلام مصحفاً وقال لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه "لم يكن الذين كفروا" فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم قال: فابعث إلي بالمصحف" ["الكافي" ج2 ص631].
وأين هذا القرآن الآن؟
روى الكليني أيضاً "عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبوعبد الله عليه السلام: كفّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم عيه السلام قرأ كتاب الله عز وجل على حد. وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام وقال: أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد - - صلى الله عليه وسلم -، وقد جمعته من اللوحين فقالوا: هوذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه، فقال أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان على أن أخبركم حين جمعته لتقرؤه" ["الكافي" ج2 ص633].
هذه، ومثل هذه الروايات كثيرة كثيرة في أوثق كتاب من كتب القوم، الذي عرض على الإمام الغائب فأوثقه وجعله كافياً لشيعته أعرضنا عنها لما أنها وردت في كتاب (فصل الخطاب) الذي خصصنا له الباب الرابع من هذا الكتاب تجنباً عن التكرار.
والمقصود أن الكليني روى هذه الروايات من أئمته المعصومين وأنهم كانوا يقولون بالتحريف في القرآن الموجود بأيدي الناس، كما كانوا يوعزون إلى شيعتهم أن يعتقدوا بمثل هذا الاعتقاد، ولقد وردت في هذه الروايات الثمانية عقيدة الأربعة من الأئمة - علي بن أبي طالب، محمد الباقر، ابنه جعفر، وأبي الحسن [والكلام تنازلاً على معتقدات الشيعة. وإلا فنحن نؤمن بأن كل هذه الروايات خرافات وأباطيل، لا صحة لها مطلقاً وبتاتاً لأن هؤلاء الأجلة مبرؤون عما يتهمهم هؤلاء الأفاكون الكذابون، واعتقادهم في القرآن اعتقاد جميع المسلمين - وهم قادتهم وقدوتهم - أن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وضمن الله حفظه بقوله: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
وهذه هي العقيدة التي هي من أهم الفوارق بين المسلمين عامة وبين الشيعة] وفي الكتاب إثبات لهذه العقيدة من أئمته الآخرين الذين لم نورد رواياتهم للسبب الذي ذكرناه آنفاً، وسوف تأتي في محلها إن شاء الله.
ونذكر بعد هذا كتاباً آخر قديماً، معتمداً عند القوم، وهوالكتاب الذي ألف أيضاً في زمن أئمة الشيعة المعصومين لديهم. ألا وهوتفسير القمي.
فالقمي علي بن إبراهيم هوشيخ مشائخ الشيعة في الحديث وفي التفسير، حيث أن محمد بن يعقوب الكليني صاحب أهم كتاب من الصحاح الأربعة الشيعية أكثر الرواية عنه في كتابه (الكافي) فهوتلميذه، وقال عنه النجاشي:
ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنف كتباً، وله كتاب التفسير" ["رجال النجاشي" ص183].
و"هومن أجلّ رواة أصحابنا، ويروي عنه مشائخ أهل الحديث، ولم نقف على تاريخ وفاته إلا أنه كان حياً في سنة 307ه" ["الكنى والألقاب" ج3 ص68].
و"كان في عصر أبي الحسن محمد الإمام العسكري عليه السلام" ["الذريعة" لآغا بزرك الطهراني ج4 ص302].
هذا وكتبوا في تفسيره:
أولاً: إن هذا التفسير أصل أصول للتفاسير الكثيرة.
ثانياً: إن رواياته مروية عن الصادقين عليهما السلام مع قلة الوسائط والإسناد ولهذا قال في الذريعة: إنه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما السلام.
ثالثاً: مؤلفه كان في زمن الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
رابعاً: أبوه الذي روى هذه الأخبار لابنه كان صحابياً للإمام الرضا عليه السلام.
خامساً: إن فيه علماً جماً من فضائل أهل البيت عليهم السلام التي سعى أعداؤهم لإخراجها من القرآن الكريم.
سادساً: إنه متكفل لبيان كثير من الآيات القرآنية التي لم يفهم مرادها تماماً إلا بمعونة إرشاد أهل البيت عليهم السلام التالين للقرآن" ["مقدمة تفسير القمي" للسيد طيب موسوي الجزائري ص15].
فذاك القمي يذكر في مقدمة تفسيره:
"فالقرآن منه ناسخ ومنسوخ، ومنه محكم ومنه متشابه، ومنه عام ومنه خاص، ومنه تقديم ومنه تأخير، ومنه منقطع ومنه معطوف، ومنه حرف مكان حرف، ومنه على خلاف ما أنزل الله" ["تفسير القمي" ج1 ص5].
وأيضاً "وأما ما هوكان على خلاف ما أنزل اله فهوقوله - {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله -} فقال أبوعبد الله عليه السلام لقارئ هذه الآية (خير أمة) يقتلون أمير المؤمنين والحسين بن علي عليه السلام؟ فقيل له وكيف نزلت يا ابن رسول الله؟ فقال إنما نزلت (كنتم خير أئمة أخرجت للناس) ألا ترى مدح الله بهم في آخر الآية (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) ومثله آية قرأت على أبي عبد الله عليه السلام - {الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً -} فقال أبوعبد الله عليه السلام لقد سألوا الله عظيماً أن يجعلهم للمتقين إماماً فقيل له يا ابن رسول الله كيف نزلت؟ فقال إنما نزلت (الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إماماً) وقوله - {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله -} فقال أبوعبد الله كيف يحفظ الشيء من أمر الله وكيف يكون المعقب من بين يديه فقيل له وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ فقال إنما نزلت (له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله) ومثله كثير" ["تفسير القمي" ج1 ص10].
وقد كتب على ظهر هذا الكتاب المطبوع:
"هومن أقدم التفاسير التي كشفت القناع عن الآيات النازلة في أهل البيت عليه السلام".
وكذلك العياشي محمد بن مسعود بن عياش السلمي المعروف بالعياشي.
قال فيه النجاشي: ثقة، صدوق، عين من عيون هذه الطائفة" ["رجال النجاشي" ص247].
وقال الخوانساري نقلاً عن (معالم العلماء): أنه كان أكبر أهل الشرق علماً وفضلاً وأدباً وفهماً ونبلاً في زمانه، صنف أكثر من مائتي مصنف" ["روضات الجنات" ج6 ص130].
وقال القمي: قال مشائخ الرجال:
إنه ثقة، صدوق، عين من عيون هذه الطائفة وكبيرها، جليل القدر، واسع الأخبار، بعيد بالرواية، مضطلع بها، له كتب كثيرة تزيد على مائتي مصنف، منه كتاب التفسير المعروف، ونقل عن ابن النديم أنه قال في حقه: من فقهاء الشيعة الإمامية أوحد دهره وزمانه في غزارة العلم" ["الكنى والألقاب" ج2 ص449، 450].
وقال الطباطبائي: هومن أعيان علماء الشيعة وأساطين الحديث والتفسير بالرواية ممن عاش في القرن الثالث من الهجرة، وأما كتابه فقد تلقاه علماء هذا الشأن منذ ألف إلى يومنا هذا - ويقرب من أحد عشر قرناً - بالقبول من غير أن يذكر بقدح أويغمض إليه بطرف" [مقدمة حول الكتاب ومؤلفه لمحمد حسين الطباطبائي ص ح].
وكتب الطهراني في (الذريعة):
"تفسير العياشي لأبي النضر محمد بن مسعود. . . . وهومن مشائخ الكشي، ومن طبقة ثقة الإسلام الكليني" ["الذريعة" ج4 ص295].
فهذا العياشي يذكر في مقدمة تفسيره عن الأصبغ بن نباتة قال:
سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا وفي عدون، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام" [مقدمة التفسير تحت عنوان "فيما أنزل القرآن" ج1 ص9، وأورد هذه الرواية المجلسي في "البحار" ج19 ص30، والصافي في تفسيره ج1 ص14، والبحراني في "البرهان" ج1 ص21].
و"عن داؤد بن فرقد، عمن أخبره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لوقد قرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمين" ["العياشي" ج1 ص13، أيضاً "مقدمة البرهان" ص37].
و"عن ميسر عن أبي جعفر عليه السلام:
لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقنا على ذي حجي" ["البرهان" مقدمة ص37، وورد هذا الحديث في "البحار" ج19 ص30، و"إثبات الهدى" ج3 ص43، 44] وغيرها من الروايات الكثيرة التي يأتي ذكرها في محلها.
ورابعهم محمد بن الحسن الصفار الذي قال عنه النجاشي:
كان وجهاً في أصحابنا القميين، ثقة. عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية. له كتب، منها كتاب (بصائر الدرجات) توفي في سنة 290ه" ["رجال الكشي" ص251، ومثله في "الكنى والألقاب" ج2 ص379].
و"هومن تلامذة حسن العسكري - الإمام الحادي عشر المعصوم عند القوم -" ["الذريعة" ج3 ص125].
يورد في كتابه عقيدته في القرآن عن إمامه المعصوم بروايته المتصلة الموصولة:
حدثنا علي بن محمد، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داؤد، عن يحيى بن أديم، عن شريك، عن جابر قال: قال أبوجعفر (ع): دعا رسول الله أصحابه بمنى، فقال:
يا أيها الناس! إني تارك فيكم حرمات الله: وعترتي، والكعبة البيت الحرام ثم قال أبوجعفر: أما كتاب الله فحرفوا، وأما الكعبة فهدموا، وأما العترة فقتلوا، وكل ودايع الله فقد تبرؤا" ["بصائر الدرجات" الجزء الثامن، الباب السابع عشر ط إيران 1285ه].
وأيضاً، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب عن عمروبن أبي المقدام، عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
ما من أحد من الناس ادعى أنه جمع القرآن كله كما أنزل الله إلا كذب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده" [نقلاً عن "البرهان" ج1 ص15].
وأيضاً "عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر أنه قال:
في القرآن ما مضى وما يحدث، وما هوكائن، وكانت فيه أسماء رجال فألقيت، وإنما الاسم الواحد في وجوه لا تحصى، يعرف ذلك الوصاة" [نقلاً عن "البرهان" ج1 ص15].
وخامسهم فرات بن إبراهيم الكوفي فنكفي بذكره وذكر تفسيره عن الطهراني في كتابه (الذريعة).
تفسير فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي المقصور على الروايات عن الأئمة الهداة عليهم السلام، وقد أكثر فيه من الرواية عن الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي نزيل قم والمتوفى بها الذي كان من أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي عليهم السلام، وقد شارك أخاه الحسن في رواية الكتب الثلاثين كما شاركه ابنه أحمد بن الحسين في الرواية عن جميع شيوخ أبيه، وكذلك أكثر فيه من الرواية عن جعفر بن محمد بن مالك البزاز الفزاري الكوفي (المتوفى حدود 300) وكان هوالمربي والمعلم لأبي غالب الزراري (المولود 285) بعد إخراجه عن الكتب وجعله في البزازين كما ذكره أبوغالب في رسالته إلى ابن ابنه، وكذلك أكثر من الرواية عن عبيد بن كثير العامري الكوفي (المتوفى 214) مؤلف كتاب "التخريج" الذي ذكرناه في (ص1) من هذا الجزء، وقد ذكر لكل من هؤلاء مشايخ كثيرة وأسانيد عديدة، وكذلك يروى فيه عن سائر مشايخه البالغين إلى نيف وماية كلهم من رواة أحاديثنا بطرقهم المسندة إلى الأئمة الأطهار عليهم السلام وليس لأكثرهم ذكر ولا ترجمة في أصولنا الرجالية، ولكن من الأسف أنه عمد بعض إلى إسقاط أكثر تلك الأسانيد واكتفى بقوله مثلاً (فرات عن حسين بن سعيد معنعناً عن فلان) وهكذا في غالب الأسانيد فأشار بقوله معنعناً إلى أن الرواية التي ذكرها فرات كانت مسندة معنعنة، وإنما تركتها للاختصار، ويروي التفسير عن فرات والد الشيخ الصدوق، وهوأبوالحسن علي بن الحسين بن بابويه (المتوفى 329) كما أنه يروي والد الصدوق أيضاً عن علي بن إبراهيم المفسر القمي (الذي توفي بعد 307)، ولعل فرات أيضاً بقي إلى حدود تلك السنة، وأما الشيخ الصدوق فيروي في كتبه عنه كثيراً إما بواسطة والده أوبواسطة شيخه الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، وكما يروي الهاشي هذا عن فرات كذلك يروي عن والد أبي قيراط جعفر بن محمد (الذي توفي 308) فيقول احتمال أن فرات أيضاً أدرك أوائل المائة ارابعة كوالد أبي
قيراط، ونسخه كثيرة في تبريز والكاظمية والنجف الأشرف أوله: (الحمد لله غافر الذنوب، وكاشف الكروب، وعالم الغيوب، والمطلع على أسرار القلوب)، واعتمد عليه من القدماء بعد الصدوقين الشيخ الحاكم ابوالقاسم الحسكاني، فينقل عن هذا التفسير في كتابه (شواهد التنزيل) وينقل عنه غياث بن إبراهيم في تفسيره الذي مر آنفاً وهومن مآخذ كتاب (البحار) قال العلامة المجلسي في أوله: وتفسير فرات وإن لم يتعرض الأصحاب لمؤلفه بمدح ولا قدح لكن كون أخباره موافقاً لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة وحسن الضبط في نقلها مما يعطي الوثوق بمؤلفه وحسن الظن به) " ["الذريعة إلى تصانيف الشيعة" لآغا بزرك الطهراني ج4 ص489، 499].
وبهذا يظهر قيمة الرجل وقيمة كتابه.
وقال السيد الصدر عنه: إنه كان في عصر الإمام الجواد بن الرضا عليه السلام" ["كتاب الشيعة وفنون الإسلام" نقلاً عن ترجمة المؤلف من الكتاب].
وقال الأورد باري:
لم يزل علماؤنا يعون على هذا الكتاب منذ ألف إلى وقتنا الحاضر كما هوظاهر من تقدم ذكرهم من مترجميه وحسبه ثقة رواية مثل أبي الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي والد شيخنا الصدوق عنه، الذي عكف العلماء على العمل بفتاواه في رسالته إلى ولده عنه أعواز النصوص، لأنه لم يثبت فيها إلا عيون ألفاظ رواها عن أئمة الهدى عليهم السلام ثقة منهم بما يرويه.
وإن من جملة ما استأثره بالرواية هذا التفسير كما يدلنا عليه كتاب والده رئيس المحدثين الشيخ الصدوق في (الأمالي) وكتاب (أخبار الزهراء) وغيرهما من كتبه عن فرات بوساطة أبيه تارة وعن شيخه الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي تارة أخرى.
واعتماد الصدوق عليه بعد والده كما يكشف عنه إكثاره وإصراره على الرواية عنه بأحد الواسطتين من أوضح شواهد الوثاقة وأعظم مرجحات العمل وعلى مثله المدار في التمييز في الصحيح والسقيم" ["تفسير الفرات الكوفي" ص2، 3].
وقال الخوانساري:
فرات بن إبراهيم المحدث العميد والمفسر الحميد، صاحب كتاب التفسير الكبير الذي هوبلسان الأخبار، وأكثر أخباره في شأن الأئمة الأطهار عليهم سلام الله الملك الغفار، وهومذكور في عداد تفسيري العياشي وعلي بن إبراهيم القمي، ويروي عنه في (الوسائل) و (البحار) على سبيل الاعتماد والاعتبار، ذكره المحدث النيسابوري في رجاله بعد ما تركه سائر أصحاب الكتب في الرجال، فقال: له كتاب تفسيره المعروف عن محمد بن أحمد بن علي الهمداني، قال شيخنا المجلسي رحمه الله في كتابه (يحار الأنوار) تفسير فرات وإن لم يتعرض من الأصحاب لمؤلفه بمدح وقدح لكن كون أخياره موافقة لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة، وحسن الضبط في نقلها ما يعطي الوثوق لمؤلفه وحسن الظن به.
وقد روى الصدوق رحمه الله عنه أخباراً بتوسط الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي.
وروى عنه الحاكم أبوالقاسم الحسكاني" ["روضات الجنات" ج5 ص353، 354].
فهذا الفرات أيضاً سرد روايات كثيرة تدل دلالة واضحة على أن القرآن محرف ومغير فيه، كما أنه في مقدمة كتابه أورد رواية عن علي بن أبي طالب:
"أنزل القرآن أربعة أرباع" [انظر مقدمة الكتاب ص1].
وبقية الأحاديث تأتي في محلها.
وهكذا سليم بن قيس العامري الذي يعدونه من أصحاب علي - - رضي الله عنه - أورد روايات في كتابه مثل التي ذكرناها قبل.
فهؤلاء محدثوالقوم ومفسروهم ورواتهم الأجلة في العصور الأولى لقوا أئمتهم ورووا عنهم بلا واسطة وبواسطة. فكلهم يروون مثل هذه الروايات، ويعتقدون بهذه العقيدة أي عقيدة تحريف القرآن وتغييره وهؤلاء هم عمدة المذهب، وتلك كتبهم عليها مدار عقائد الشيعة، لولاهم ولولاها لما ثبت لهم شيء، ولأجل ذلك قال النوري الطبرسي:
اعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتمدة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية" ["فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" ص252].
ثم خلفهم خلف من المحدثين والمفسرين، كلهم انتهجوا منهجهم وسلكوا مسلكهم، وأوردوا روايات وذكروا أحاديث صريحة في مدلولها، وواضحة في معناها بلغت حد التواتر وزادت عليه، حتى قال السيد نعمت الله الجزائري:
إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة، بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً والتصديق بها" ["فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" ص31].
وقد ذكر رواة هذه الأحاديث والمعتقدين بها وعدهم محدث القوم النوري الطبرسي ي كتابه (فصل الخطاب) واحداً بعد واحد تحت عنوان "المقدمة الثالث في ذكر أقوال علمائنا رضوان الله عليهم أجمعين في تغيير القرآن وعدمه" فيقول:
فاعلم أن لهم في ذلك أقوالاً مشهورها اثنان.
الأول وقوع التغيير والنقصان فيه وهومذهب الشيخ الجليل علي بن إبراهيم القمي شيخ الكليني في تفسيره صرح بذلك في أوله وملأ كتابه من أخباره مع التزامه في أوله بأن لا يذكر فيه إلا مشايخه وثقاته ومذهب تلميذه ثقة الإسلام الكليني رحمه الله على ما نسبه إليه جماعة لنقله الأخبار الكثيرة الصريحة في هذا المعنى في كتاب الحجة خصوصاً في باب النكث والنتف من التنزيل وفي الروضة من غير تعرض لردها أوتأويلها واستظهر المحقق السيد محسن الكاظمي في شرح الوافية مذهبه في الباب الذي عقده في وسماه "باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام" فإن الظاهر من طريقته أنه إنما يعقد الباب لما يرتضيه قلت وهوكما ذكره فإن مذاهب القدماء تعلم غالباً من عناوين أبوابهم، وبه صرح أيضاً العلامة المجلسي في مرآة العقول، وبهذا يعلم مذهب الثقة الجليل محمد بن الحسن الصفار في كتاب البصائر من الباب الذي له أيضاً فيه وعنوانه هكذا "باب في الأئمة عليهم السلام أن عندهم لجميع القرآن الذي أنزل على رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - " وهوأصرح في الدلالة مما في الكافي ومن باب "أن الأئمة عليهم السلام محدثون" وهذا المذهب صريح الثقة محمد بن إبراهيم النعمان تلميذ الكليني صاحب كتاب الغيبة المشهور في تفسيره الصغير الذي اقتصر فيه على ذكر أنواع الآيات وأقسامها وهوبمنزلة الشرح لمقدمة تفسير علي إبراهيم، وصريح الثقة الجليل سعد بن عبد الله القمي في كتاب ناسخ القرآن ومنسوخه كما في المجلد التاسع عشر من البحار، فإنه عقد فيه باباً ترجمته باب التحريف في الآيات التي هي خلاف ما أنزل الله عز وجل مما رواه مشائخنا رحمة الله عليهم من العلماء من آل محمد عليهم السلام" ثم ساق مرسلاً أخباراً كثيرة تأتي في الدليل الثاني عشر فلاحظ، وصرح السيد علي بن أحمد الكوفي في كتاب بدع المحدثة وقد نقلنا سابقاً عنه ما ذكره فيه في هذا المعنى، وذكر أيضاً في جملة بدع
عثمان ما لفظه "وقد أجمع أهل النقل والآثار من الخاص والعام أن هذا الذي في أيدي الناس من القرآن ليس هذا القرآن كله، وإنه ذهب من القرآن ما ليس هوفي أيدي الناس، وهوأيضاً ظاهر أجلة المفسرين وأئمتهم الشيخ الجليل محمد بن مسعود العياشي، والشيخ فرات بن إبراهيم الكوفي، والثقة النقد محمد بن العباس الماهيار فقد ملئوا تفاسيرهم عن الأخبار الصريحة في هذا المعنى كما يأتي ذكرها، بل روى الأول في أول كتابه أخباراً عامة صريحة فيه، فنسبة هذا القول إليهم كنسبته إلى علي بن إبراهيم، بل صرح بنسبته إلى العياشي جماعة كثيرة، وممن صرح بهذا القول ونصره الشيخ الأعظم محمد بن محمد بن النعمان المفيد فقال في المسائل السرورية على ما نقله العلامة المجلسي في مرآة العقول، والمحدث البحراني في الدرر النجفية ما لفظه "إن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى وتنزيله وليس فيه شيء آخر من كلام البشر وهوجمهور المنزل والباقي مما أنزله الله تعالى قرآناً عند المستحفظ للشريعة، المستودع للأحكام لم يضيع منه شيء وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله في جملة ما جمع لأسباب دعته إلى ذلك.
منها قصوره عن معرفة بعضه.
منها ما شك فيه.
ومنها ما تعمد إخراجه، وقد جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن المنزل من أوله إلى آخر، وألفه بحسب ما وجب من تأليفه فقدم المكي على المدني والمنسوخ على الناسخ ووضع كل شيء منه في موضعه ولذا قال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: أما والله لوقرء القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين كما سمي من كان قبلنا وقال عليهم السلام: نزل القرآن أربعة أرباع، ربع فينا وربع في أعدائنا، وربع قصص وأمثال، وربع قضايا وأحكام، ولنا أهل البيت فضائل القرآن" ثم قال: غير أن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم السلام أنهم قد أمروا بقرائة ما بين الدفتين وأن لا نتعداه إلى زيادة فيه ولا إلى نقصان منه إلى أن يقوم القائم عليه السلام فيقرأ الناس على ما أنزل الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين عليه السلام وإنما نهونا عن قرائة ما وردت به الأخبار من أحرف تزيد على الثابت في المصحف لأنها لم تأت على التواتر وإنما جاء بها الأخبار والواحد قد يغلطه فيما ينقله ولأنه متى قرأ الإنسان بما يخالف ما بين الدفتين غرر بنفسه من أهل الخلاف وأغرى به الجبارين وعرض نفسه للهلاك فمنعونا من قراءة القرآن بخلاف ما أثبت بين الدفتين" انتهى وقال في موضع من كتاب المقالات: واتفقوا أي الإمامية على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي - - صلى الله عليه وسلم - وقال في موضع آخر: فأما القول في التأليف فالموجود يقضي فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني لم ير فرقاً فيما ذكرناه وعد النجاشي من كتبه "كتاب البيان في تأليف القرآن" والظاهر أنه مقصور على إثبات هذا المطلب والله العالم، ويأتي إن شاء الله ما رواه في إرشاده من الأخبار الصريحة في وقوع التغيير فيه، نعم مال في موضع من الكتاب المذكور بعد ما صرح بورود الأخبار المستفيضة باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان
وأنه ليس أن يدعي عدم النقصان فيه حجة يعتمد عليها إلى تأويل تلك الأخبار، وإن المراد منها أنه حذف من مصحف أمير المؤمنين عليه السلام ما كان من التأويل والتفسير، وهذا مناف لبعض وجوه النقص التي ذكرها في المسائل السرورية، ثم إنه رحمه الله نسب بعد ذلك القول بالنقصان من نفس الآيات حقيقة بل زيادة كلمة أوكلمتين مما لا يبلغ حد الإعجاز إلى بني نوبخت رحمهم الله وجماعة من متكلمي عصابة الشيعة، وأعيانهم مذكورون في كتب الرجال، وقد التزم في هذه الكتب بنقل أقوالهم.
منهم شيخ المتكلمين ومتقدم النوبختيين أبوسهل إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت صاحب الكتب الكثيرة التي منها كتاب التنبيه في الإمامة قد ينقل عنه صاحب صراط المستقيم. وابن أخته الشيخ المتكلم الفيلسوف أبومحمد حسن بن موسى صاحب التصانيف الجيدة منها كتاب الفرق والديانات وعندنا منه نسخة، والشيخ الجليل أبوإسحاق إبراهيم بن نوبخت صاحب كتاب الياقوت الذي شرحه العلامة ووصفه في أوله بقوله: شيخنا الأقدم وإمامنا الأعظم.
ومنهم إسحاق الكاتب الذي شاهد الحجة عجل الله فرجه، ورئيس هذه الطائفة الشيخ الذي ربما قيل بعصمته أبوالقاسم حسين بن روح بن أبي بحر النوبختي السفير الثالث بين الشيعة والحجة صلوات الله عليه، وممن يظهر منه القول بالتحريف العالم الفاضل المتكلم حاجب بن الليث بن السراج كذا وصفه في رياض العلماء، وهوالذي سأل عن المفيد المسائل المعروفة قال في بعض كلماته ورأينا الناس بعد الرسول - - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا اختلافاً عظيماً في فروع الدين وبعض أصوله حتى لم يتفقوا على شيء منه وحرفوا الكتاب وجمع كل واحد منهم مصحفاً زعم أنه الحق إلى آخر ما تقدم، وممن ذهب إلى هذا القول الشيخ الثقة الجليل الأقدم فضل بن شاذان في مواضع من كتاب الإيضاح. وممن ذهب إليه من القدماء الشيخ الجليل محمد بن الحسن الشيباني صاحب تفسير "نهج البيان عن كشف معاني القرآن" في مقدماته ويظهر من تراجم الرواة أيضاً شيوع هذا المذهب حتى أفرد له بالتصنيف جماعة.
فمنهم الشيخ الثقة أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب كتاب المحاسن المشتمل على كتب كثيرة، وعد الشيخ الطوسي في الفهرست والنجاشي من كتبه "كتاب التحريف".
ومنهم والده الثقة محمد بن خالد عد النجاشي من كتبه "كتاب التنزيل والتغيير".
ومنهم الشيخ الثقة الذي لم يعثر له على زلة في الحديث كما ذكروا علي بن الحسن بن فضال، عد من كتبه "كتاب التنزيل من القرآن والتحريف".
ومنهم محمد بن الحسن الصيرني، في الفهرست له "كتاب التحريف والتبديل.
ومنهم أحمد بن محمد بن سيار، عد الشيخ والنجاشي من كتبه "كتاب القرآن" وقد نقل عنه ابن ماهيار الثقة في تفسيره كثيراً وكذا الشيخ حسن بن سليمان الحلي تلميذ الشهيد في مختصر البصاير وسماه "التنزيل والتحريف" ونقل عنه الأستاذ الأكبر في حاشية المدارك في بحث القراءة وعندنا منه نسخة.
ومنهم الثقة الجليل محمد بن العباس بن علي بن مروان الماهيار المعروف بابن الحجام صاحب التفسير المعروف المقصور على ذكر ما نزل في أهل البيت عليهم السلام ذكروا أنه لم يصنف في أصحابنا مثله، وأنه ألف ورقة، وفي الفهرست له "كتاب قراءة أمير المؤمنين عليه السلام" وكتاب "قراءة أهل البيت عليهم السلام" وقد أكثر من نقل أخبار التحريف في كتابه كما يأتي:
ومنهم أبوطاهر عبد الواحد بن عمر القمي. ذكر ابن شهر آشوب في معالم العلماء أن له كتاباً "في قراءة أمير المؤمنين عليه السلام وحروفه" والحرف في الأخبار وكلمات القدماء يطلق على الكلمة كقول الباقر والصادق عليهما السلام في تبديل كلمة آل محمد بآل عمران حرف مكان حرف، وعلى الآية كقول بعض الصحابة في سورة أنى أحفظ منها حرفاً أوحرفين يا أيها الذين آمنوا إلى آخر الآية ومنه قول أمير المؤمنين عليه السلام والله ما حرف نزل على محمد - - صلى الله عليه وسلم - إلا وأنا أعرف فيمن نزل وفي أي موضع نزل، وعلى الحروف الهجائية وهي كثيرة، وعلى الأعم من الأول والأخير كقول أبي جعفر عليه السلام ولم يزد فيه أي في القرآن إلا حروف أخطأت به الكتاب، وله إطلاقات آخر لا ربط لها بالمقام.
ومنهم صاحب كتاب تفسير القرآن وتأويله وتنزيله وناسخه ومنسوخاً محكمه ومتشابهه وزيادات حروفه وفضائله وثوابه روايات الثقات عن الصادقين من آل رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين، كذا في سعد السعود للسيد الجليل علي بن طاؤس ره.
ومنهم صاحب كتاب ذكر السيد في الكتاب المذكور أنه مكتوب فيه مقرأ رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - وعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد وزيد ابني علي بن الحسين وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر صلوات الله عليهم ونقل عنهم حديثاً يأتي في سورة آل عمران.
ومنهم صاحب كتاب الرد على أهل التبديل ذكره ابن شهر آشوب في مناقبه كما في البحار ونقل عنه بعض الأخبار الدالة على أن مراده من أهل التبديل هوالعامة وغرضه من الرد هوالطعن عليهم به لأن السبب فيه إعراض أسلافهم عن حافظه وواعيه" ["فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" ص26 إلى ص31 ط إيران 1298ه].
"فارجع البصر هل ترى من فتور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهوحسير" [سورة الملك الآية3، 4].
فأولئك هم أعيان الشيعة وأساطينها، وهذه هي كتبهم أعدها وأعدهم الطبرسي واحداً بعد واحد.
وزاد على تلك الأسماء السيد طيب موسوي الجزائري في مقدمته على تفسير القمي تحت عنوان "تحريف القرآن" السيد نعمت الله الجزائري والحر العاملي والعلامة الفتوني والسيد البحراني [هل يستطيع الصافي أوواحد ممن يؤيده ويسانده أن يثبت واحداً من السنة صرح باسمه أنه كان يعتقد التحريف في القرآن ويستدل من الأحاديث أوالروايات المزعومة التي تنسبها الشيعة إلى السنة؟ وأعيد القول هل أحد من الشيعة يستطيع أن يثبت عن السنة مثل ما أثبتناه عن الشيعة ويذكر أسمائهم وبالألفاظ الصريحة أنهم يعتقدون التحريف في القرآن، وأما ذكر الصافي (الفرقان) الذي ألفه أحد الملاحدة في مصر سنة 1948م فلا يلزم به أهل السنة؟ لأننا نعد كل من يقول مثل هذا القول كافراً، خارجاً عن الملة الحنيفية البيضاء، جاحداً قول الله عز وجل:
"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
وقول الله عز وجل: "ذلك الكتاب لا ريب فيه"، ولذلك قام أهل السنة بمصر بالاحتجاج ضد هذا الكتاب، وطلبوا مصادرته بعد ما بينوا بالدلائل والبراهين أوجه البطلان والفساد، فاستجابت الحكومة السنية في مصر آنذاك هذا الطلب وصادر الكتاب، وهذا هوموقف السنة من القرآن ومن يخالفه ويعارضه ويقول فيه ما يهويه ويشتهيه.