المقدمة
الحمد لله الحي القيوم الذي لا يستولي على كنه قيامه وصف واصف الجليل الذي لا يحيط بصفة جلاله معرفة عارف العزيز الذي لا عزيز إلا وهو بقدم الصغار على عتبة عزه عاكف الماجد الذي لا ملك إلا وهو حول سرادق مجده طائف الجبار الذي لا سلطان إلا وهو لنفحات عفوه راج وسطوات سخطه خائف المتكبر الذي لا ولي إلا وقلبه على محبته وقف وقالبه لخدمته واقف الرحيم الذي لا شئ إلا وهو ممتط متن الخطر في هول المواقف لولا ترصده لرحمته بوعده السابق السالف المنعم الذي إن يردك بخير فليس لفضله راد ولا صارف المنتقم الذي ان يمسسك بضر فما له سواه كاشف جل جلاله وتقدست اسماؤه فلا يغره موالف ولا يضره مخالف وعز سلطانه فلا يكيده مراوغ ولا يناوئه مكاشف خلق الخلق أحزابا وأحسابا ورتبهم في زخارف الدنيا أرذالا وأشرافا وقربهم في حقائق الدين ارتباطا وانحرافا وجهلة وعرافا وفرقهم في قواعد العقائد فرقا وأصنافا يتطابقون إئتلافا ويتقاطعون اختلافا فافترقوا في المعتقدات جحودا واعترافا وتعسفا وانصافا واعتدالا وإسرافا كما تباينوا أصلا وأوصافا هذا غني يتضاعف كل يوم ما له أضعافا وهو يأخذ جزافا وينفق جزافا وهذا ضعيف يعول ذرية ضعافا يعوزه قوت يوم حتى سأل الناس إلحافا وهذا مقبول في القلوب لا يلقي في حاجته إلا إجابة وإسعافا وهذا مبغض للخلق تهتضم حقوقه ضيما وإجحافا وهذا تقي موفق يزداد كل يوم في ورعه وتقواه إسرافا وإشراقا وهذا مخذول يزداد على مر الأيام
في غيه وفساده تماديا واعتسافا ذلكم تقدير ربكم القادر الحكيم الذي لا يستطيع سلطان عن قهره انحرافا القاهر العليم الذي لا يملك احد لحكمه خلافا رغما لأنف الكفرة الباطنية الذين انكروا أن يجعل الله بين أهل الحق اختلافا ولم يعلموا ان الاختلاف بين الأمة يتبعه الرحمة كما تتبع العبرة اختلافهم مراتب وأوصافا
وشكرا لله الذي وفقنا للإعتراف بدينه إعلانا وإسرارا وسددنا للإنقياد لحكمه إظهارا وإضمارا ولم يجعلنا من ضلال الباطنيه الذين يظهرون باللسان إقرارا ويضمرون في الجنان تماديا وإصرارا ويحملون من الذنوب اوقارا ويعلنون في الدين تقوى ووقارا ويحتقبون من المظالم أوزارا لانهم لا يرجون لله وقارا ولو خاطبهم دعاة الحق ليلا ونهارا لم يزدهم دعاؤهم إلا فرارا فإذا أطل عليهم سيف أهل الحق آثروا الحق إيثارا وإذا انقشع عنهم ظله أصروا واستكبروا استكبارا فنسأل الله أن لا يدع على وجه الأرض منهم ديارا ونصلي على رسوله المصطفى وعلى آله وخلفائه الراشدين من بعده صلوات بعدد قطر السحاب تهمى مدرارا وتزداد على ممر الأيام استمرارا وتتجدد على توالي الأعوام تلاحقا وتكرارا
أما بعد فإني لم أزل مدة المقام بمدينة السلام متشوفا إلى أن أخدم المواقف المقدسة النبوية الامامية المستظهرية ضاعف الله جلالها ومد على طبقات
الخلق ظلالها بتصنيف كتاب في علم الدين أقضى به شكر النعمة وأقيم به رسم الخدمة واجتني بما اتعاطاه من الكلفة ثمار القبول والزلفة لكني جنحت الى التواني لتحري في تعيين العلم الذي اقصده بالتصنيف وتخصيص الفن الذي يقع موقع الرضا من الرأي النبوي الشريف فكانت هذه الحيرة تغبر في وجه المراد وتمنع القريحة عن الإذعان والإنقياد حتى خرجت الاوامر الشريفة المقدسة النبوية المستظهرية بالإشارة إلى الخادم في تصنيف كتاب في الرد على الباطنية مشتمل على الكشف عن بدعهم وضلالاتهم وفنون مكرهم واحتيالهم ووجه استدراجهم عوام الخلق وجهالهم وإيضاح غوائلهم في تلبيسهم وخداعهم وانسلالهم عن ربقة الإسلام وانسلاخهم وانخلاعهم وإبراز فضائحهم وقبائحهم بما يفضي الى هتك أستارهم وكشف أغوارهم فكانت المفاتحة بالإستخدام في هذا المهم في الظاهر نعمة اجابت قبل الدعاء ولبت قبل النداء وإن كانت في الحقيقة ضالة كنت أنشدها وبغية كنت أقصدها فرأيت الامتثال حتما والمسارعة الى الإرتسام حزما وكيف لا أسارع اليه وان لاحظت جانب الآمر ألفيته أمرا مبلغه رعيم الأمة وشرف الدين ومنشؤه
ملاذ الأمم أمير المؤمنين وموجب طاعته خالق الخلق رب العاملين إذ قال الله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
وإن التفت إلى المأمور به فهو ذب عن الحق المبين ونضال دون حجة الدين وقطع لدابر الملحدين وإن رجعت إلى نفسي وقد شرفت بالخطاب به من بين سائر العالمين رأيت المسارعة إلى الإذعان والامتثال في حقي من فروض الأعيان إذ يقل على بسيط الأرض من يستقل في قواعد العقائد بإقامة الحجة والبرهان بحيث يرقيها من حضيض الظن والحسبان الى يفاع القطع والاستيقان فانه الخطب الجسيم والأمر العظيم الذي لا تستقل بأعيانه بضاعة الفقهاء ولا يضطلع بأركانه إلا من تخصص بالمعضلة الزباء لما نجم في أصول الديانات من الأهواء
واختلط بمسالك الأوائل من الفلاسفة والحكماء فمن بواطن غيهم كان استمداد هؤلاء فانهم بين مذاهب الثنوية والفلاسفة يترددون وحول حدود المنطق في مجادلاتهم يدندنون ولقد طال تفتيشي عن شبه خصمه لما تقدر على قمعه وخصمه وفي مثل ذلك أنشد ... عرفت الشر لا للشر ... لكن لتوقيه ... ومن لا يعرف الشر ... من الناس يقع فيه
تظاهرت علي أسباب الإيجاب والإلزام واستقبلت الآتي بالاعتناق والإلتزام وبادت الى الامتثال والارتسام وانتدبت لتصنيف هذا الكتاب مبنيا على عشرة ابواب سائلا من الله سبحانه التوفيق لشاكله والصواب وسميته فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية والله تعالى الموفق لإتمام هذه النية وهذا ثبت الأبواب
الباب الأول في الإعراب عن المنهج الذي استنهجته في سياق هذا الكتاب
الباب الثاني في بيان ألقابهم والكشف عن السبب الباعث لهم على نصب هذه الدعوة المضلة
الباب الثالث في بيان درجات حيلهم في التلبيس والكشف عن سبب الإغترار بحيلهم مع ظهور فسادها
الباب الرابع في نقل مذهبهم جملة وتفصيلا
الباب الخامس في تأويلاتهم لظواهر القرآن واستدلالهم بالأمور العددية وفيه فصلان الفصل الأول في تأويلهم للظواهروالفصل الثاني في استدلالالتهم بالأعداد والحروف
الباب السادس في إيراد أدلتهم العقيلة على نصرة مذهبهم والكشف
عن تلبيساتهم التي زوقوها بزعمهم في معرض البرهان على إبطال النظر العقلي
الباب السابع في إبطال استدلالهم بالنص على نصب الامام المعصوم
الباب الثامن في مقتضى فتوى الشرع في حقهم من التكفير والتخطئة وسفك الدم
الباب التاسع في إقامة البرهان الفقهي الشرعي على أن الإمام الحق في عصرنا هذا هو الإمام المستظهر بالله حرس الله ظلاله
الباب العاشر في الوظائف الدينية التي بالمواظبة عليها يدوم استحقاق الإمامة
هذه ترجمة الأبواب والمقترح على الرأي الشريف النبوي مطالعة الكتاب جملة ثم تخصيص الباب التاسع والعاشر لمن يريد استقصاء ليعرف من الباب التاسع قدر نعمة الله تعالى عليه وليستبين من الباب العاشر طريق القيام بشكر تلك النعمة ويعلم ان الله تعالى إذا لم يرض أن يكون له على وجه الأرض عبد أرفع رتبة من أمير المؤمنين فلا يرضى أمير المؤمنين ان يكون لله على وجه الأرض عبد أعبد وأشكر منه نسأل الله تعالى أن يمده بتوفيقه ويسدده لسواء طريقه هذه جملة الكتاب والله المستعان على سلوك جادة الحق واستنهاج مسلك الصدق
الباب الأول في الإعراب عن المنهج الذي استنهجته في هذا الكتاب
لتعلم أن الكلام في التصانيف يختلف منهجه بالإضافة إلى المعنى غوصا وتحقيقا وتساهلا وتزويقا وبالاضافة الى اللفظ إطنابا وإسهابا واختصارا وايجازا وبالاضافة الى المقصد تكثيرا وتطويلا واقتصارا وتقليلا فهذه ثلاثة مقامات ولكل واحد من الأقسام فائدة وآفة
وأما المقام الاول فالغرض في الغوص والتحقيق والتعمق في أسرار المعاني الى اقصى الغايات التوقي من إزراء المحققين وقدح الغواصين فانهم إذا تأملوه فلم يصادفوه على مطابقة أوضاع الجدال وموافقة حدود المنطق عند النظار استركوا عمل المصنف واستغثوا كلامه واعتقدوا فيه التقاعد عن شأو التحقيق في الكلام والإنخراط في سلك العوام ولكن له آفة وهي قلة جدواه وفائدته في حق الأكثرين فإن الكلام إذا كان على ذوق المراء والجدال لا على مساق الخطاب المقنع لم يستقل بدركه
إلا الغواصون ولم يتفطن لمغاصاته إلا المحققون وأما سلوك مسلك التساهل والاقتصار على فن من الكلام يستحسن في المخاطبات ففائدته أن يستلذ وقعه في الأسماع ولا تكل عن فهمه والتفطن لمقاصده أكثر الطباع ويحصل به الإقناع لكل ذي حجى وفطنة وان لم يكن متبحرا في العلوم
وهذا الفن من جوالب المدح والإطراء ولكن من الظاهريين وآفته أنه من دواعي القدح والإزراء ولكن من الغواصين فرأيت أن أسلك المسلك المقتصد بين الطرفين ولا أخلى الكتاب عن أمور برهانية يتفطن لها المحققون ولا عن كلمات إقناعية يستفيد منها المتوهمون فان الحاجة الى هذا الكتاب عامة في حق الخواص والعوام وشاملة جميع الطبقات من أهل الاسلام وهذا هو الأقرب إلى المنهج القويم فلطالما قيل ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم ...
المقام الثاني في التعبير عن المقاصد إطنابا وإيجازا وفائدة الإطناب الشرح والايضاح المغني عن عناء التفكر وطول التأمل وآفته الإملال وفائدة الايجاز جمع المقاصد وترصيفها وايصالها إلى الأفهام على التقارب وآفته الحاجة الى شدة التصفح والتأمل لاستخراج المعاني الدقيقة من الألفاظ الوجيزة الرشيقة والرأى في هذا المقام الاقتصاد بين طرفي التفريط والإفراط فإن الإطناب لا ينفك عن إملال والإيجاز
لا يخلو عن إخلال فالأولى الميل الى الاختصار فلرب كلام قل ودل وما أمل المقام الثالث في التقليل والتكثير
ولقد طالعت الكتب المصنفة في هذا الفن فصادفتها مشحونة بفنين من الكلام فن في تواريخ أخبارهم وأحوالهم من بدء امرهم الى ظهور ضلالهم وتسمية كل واحد من دعاتهم في كل قطر من الاقطار وبيان وقائعهم فيما انقرض من الأعصار فهذا فن أرى التشاغل به اشتغالا بالأسمار وذلك أليق بأصحاب التواريخ والأخبار فأما علماء الشرع فليكن كلامهم محصورا في مهمات الدين وإقامة البرهان على ما هو الحق المبين فلكل عمل رجال
والفن الثاني في إبطال تفصيل مذاهبهم من عقائد تلقوها من الثنوية والفلاسفة وحروفها عن اوضاعها و غيروا ألفاظها قصدا للتغطية والتلبيس هذا أيضا لا أرى التشاغل به لان الكلام عليها وكشف الغطاء عن بطلانها بايضاح حقيقة الحق وبرهانها ليس يختص بالطائفة الذين هم نابتة الزمان فتجريد القصد الى نقل خصائص مذاهبهم التي تفردوا باعتقادها عن سائر الفرق هو الواجب المتعين فلا ينبغي أن يؤم المصنف في كتابه الا المقصد الذي يبغيه والنحو الذي يرومه وينتحيه فمن حسن إسلام المرء ترك مالا يعنيه وذلك مما لا يعنيه في هذا المقام وان كان
الخوض فيه على الجملة ذبا عن الاسلام ولكن لكل مقال مقام فلنقتصر في كتابنا على القدر الذي يعرب عن خصائص مذهبهم وينبه على مدارج حيلهم ثم نكشف عن بطلان شبههم بما لا يبقى للمستبصر ريب فيه فتنجلي عن وجه الحق كدورة التمويه
ثم نختم الكتاب بما هو السر واللباب وهو إقامة البراهين الشرعية على صحة الإمامة للمواقف القدسية النبوية المستظهرية بموجب الأدلة العقلية والفقهية على ما أفصح عن مضمونه ترجمة الأبواب
الباب الثاني في بيان ألقابهم والكشف عن السبب الداعي لهم على نصب هذه الدعوة وفيه فصلان الفصل الأول في القابهم التي تداولتها الألسنة على إختلاف الأعصار والأزمنة وهي عشرة ألقاب الباطنية والقرامطة والقرمطية والخرمية والحرمدينية والإسماعيلية والسبعية والبابكية والمحمرة والتعليمية
ولكل لقب سبب أما الباطنية فانما لقبوا بها لدعواهم أن لظواهر القرآن و الأخبار بواطن تجرى في الظواهر مجرى اللب من القشر و أنها بصورها توهم عند الجهال الأغبياء صورا جلية و هي عند العقلاء و الأذكياء رموز و إشارات إلى حقائق معينة و أن من تقاعد عقله عن الغوص على الحفايا و الأسرار و البواطن و الأغوار و قنع بظواهرها مسارعا إلى الاغترار كان تحت الأواصر و الأغلال معنى بالأوزار و الأثقال و أرادوا ب الأغلال التكليفات
الشرعية فإن من ارتقى إلى علم الباطن انحط عنه التكليف و استراح من أعبائه و هم المرادون بقوله تعالى 88 و نضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم الآية وربما موهوا بالاستشهاد عليه بقولهم إن الجهال المنكرين للباطن هم الذين اريدوا بقوله تعالى فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وغرضهم الأقصى إبطال الشرائع فإنهم إذا انتزعوا عن العقائد موجب الظواهر قدروا على الحكم بدعوى الباطن على حسب ما يوجب الإنسلاخ عن قواعد الدين إذا سقطت الثقة بموجب الالفاظ الصريحة فلا يبقى للشرع عصام يرجع إليه ويعول عليه
وأما القرامطة فانما لقبوا بها نسبة الى رجل يقال له حمدان قرمط كان احد دعاتهم في الابتداء فاستجاب له في دعوته رجال فسموا قرامطة وقرمطية وكان المسمى حمدان قرمط رجلا من اهل الكوفة مائلا الى الزهد فصادفه احد دعاة الباطنية في طريق وهو متوجه الى قريته وبين يديه بقر يسوقها فقال حمدان لذلك الداعي وهو لا يعرفه ولا يعرف حاله أراك سافرت عن موضع بعيد فأين مقصدك فذكر موضعا هو قرية حمدان فقال له حمدان اركب بقرة من هذه البقر لتستريح عن تعب المشي فلما رآه مائلا الى الزهد والديانة اتاه من حيث رآه مائلا اليه فقال اني لم اومر بذلك فقال حمدان وكأنك لا تعمل الا بامر
قال نعم قال حمدان وبأمر من تعمل فقال الداعي بامر مالكي ومالكك ومن له الدنيا والآخرة فقال حمدان ذلك إذن هو رب العالمين فقال الداعي صدقت ولكن الله يهب ملكه لمن يشاء قال حمدان وما غرضك في البقعة التي انت متوجه اليها قال امرت أن ادعو اهلها من الجهل الى العلم ومن الضلال الى الهدى ومن الشقاوة الى السعادة وان استنقذهم من ورطات الذل والفقر واملكهم ما يستغنون به عن الكد والتعب فقال له حمدان انقذني انقذك الله وافض علي من العلم ما يحببني به فما اشد احتياجي الى مثل ما ذكرته فقال الداعي وما امرت بان اخرج السر المخزون لكل احد الا بعد الثقة به والعهد عليه فقال حمدان وما عهدك فاذكره لي فاني ملتزم له فقال الداعي ان تجعل لي وللإمام على نفسك عهد الله وميثاقه ان لا يخرج سر الإمام الذي ألقيته اليك ولا تفشي سري أيضا
فالتزم حمدان سره ثم اندفع الداعي في تعليمه فنون جهله حتى
استدرجه واستغواه واستجاب له في جميع ما دعاه ثم انتدب حمدان للدعوة وصار اصلا من أصول هذه الدعوة فسمى اتباعه القرمطية
وأما الخرمية فلقبوا بها نسبة لهم الى حاصل مذهبهم وزبدته فانه راجع الى طي بساط التكليف وحط أعباء الشرع عن المتعبدين وتسليط الناس على اتباع اللذات وطلب الشهوات وقضاء الوطر من المباحات والمحرمات وخرم لفظ اعجمي ينبئ عن الشئ المستلذ المستطاب الذي يرتاح الانسان اليه بمشاهدته ويهتز لرؤيته وقد كان هذا لقبا للمزدكية وهم اهل الإباحة من المجوس الذين نبغوا في ايام قباذ وأباحوا النساء وان كن من المحارم وأحلوا كل محظور وكانوا يسمون خرمدينية فهؤلاء ايضا لقبوا بها لمشابهتهم اياهم في اخر المذهب وان خالفوهم في المقدمات وسوابق الحيل في الاستدراج وأما البابكية فاسم لطائفة منهم بايعوا رجلا يقال له بابك الخرمي وكان خروجه في بعض الجبال بناحية أذربيجان في أيام المعتصم بالله واستفحل أمرهم واشتدت شوكتهم وقاتهلم افشين صاحب حبس المعتصم مداهنا له في قتاله ومتخاذلا عن الجد في قمعه إضمارا لموافقته في ضلاله فاشتدت وطأة البابكية على جيوش المسلمين حتى مزقوا جند المسلمين وبددوهم منهزمين الى أن هبت ريح النصر واستولى عليهم
المعتصم المترشح للإمامة في ذلك العصر فصلب بابك وصلب أفشين بإزائه وقد بقي من البابكية جماعة يقال إن لهم ليلة يجتمع فيها رجالهم ونساؤهم ويطفئون سرجهم وشموعهم ثم يتناهبون النساء فيثب كل رجل إلى إمرأة فيظفر بها ويزعمون ان من استولى على امرأة استحلها بالاصطياد فإن الصيد من أطيب المباحات ويدعون مع هذه البدعة نبوة رجل كان من ملوكهم قبل الاسلام يقال له شروين
ويزعمون أنه كان افضل من نبينا صلى الله عليه و سلم ومن سائر الأنبياء قبله
وأما الاسماعيلية فهي نسبى لهم الى ان زعيمهم محمد بن إسماعيل ابن جعفر ويزعمون ان أدوار الإمامية انتهت به اذ كان هو السابع من محمد ص - وأدوار الإماميه سبعة سبعة عندهم فأكبرهم يثبتون له منصب النبوة وإن ذلك يستمر في نسبه وأعقابه وقد اورد أهل المعرفه بالنسب في كتاب الشجره أنه مات ولا عقب له وأما السبعيه فإنما لقبوا بها لأمرين أحدهما اعتقادهم أن أدوار الإمامة سبعة وأن الإنتهاء الى السابع هو أخر الدور وهو المراد بالقيامة وأن تعاقب هذه الادوار لا آخر لها قط والثاني قولهم إن تدابير العالم السفلي اعني ما يحويه مقعر فلك القمر منوطة بالكواكب السبعة التي اعلاها زحل ثم المشتري ثم المريخ ثم الشمس ثم الزهرة ثم عطارد ثم القمر وهذا المذهب مسترق من ملحدة المنجمين وملتفت الى مذهب الثنوية في ان النور يدبر اجزاؤه الممتزجة بالظلمة بهذه الكواكب السبعة فهذا سبب هذا التقليب
وأما المحمرة فقيل انهم لقبوابه لانهم صبغواالثياب بالحمرةايام بابك ولبسوها وكان ذلك شعارهم وقيل سببه انهم يقررون ان كل من خالفهم من الفرق واهل الحق حمير والاصح هو التأويل الاول
وأما التعليمية فانهم لقبوا بها لأن مبدأ مذاهبهم ابطال الرأي وإبطال تصرف العقول ودعوة الخلق الى التعليم من الامام المعصوم وانه لا مدرك للعلوم الا التعليم ويقولون في مبتدأ مجادلتهم الحق اما ان يعرف بالرأي وإما ان يعرف بالتعلم وقد بطل التعويل على الرأي لتعارض الاراء وتقابل الاهواء واختلاف ثمرات نظر العقلاء فتعين الرجوع الى التعليم والتعلم وهذا اللقب هو الاليق بباطنية هذا العصر فان تعويلهم الاكثر على الدعوة الى التعليم وابطال الرأي وايجاب اتباع الامام المعصوم وتنزيله في وجوب التصديق والاقتداء به منزلة رسول الله صلى الله عليه و سلم
الفصل الثاني في بيان السبب الباعث لهم على نصب هذه الدعوة وإفاضة هذه
البدعة
مما تطابق عليه نقلة المقالات قاطبة ان هذه الدعوة لم يفتتحها منتسب الى ملة ولا معتقد لنحلة معتضد بنبوة فان مساقها ينقاد الى الانسلال من الدين كانسلال الشعرة من العجين ولكن تشاور جماعة من المجوس والمزدكية وشرذمة من الثنوية الملحدين وطائفة كبيرة من ملحدة الفلاسفة المتقدمين وضربوا سهام الرأي في استنباط تدبير يخفف عنهم ما نابهم من استيلاء اهل الدين وينفس عنهم كربة ما دهاهم من امر المسلمين حتى اخرسوا السنتهم عن النطق بما هو معتقدهم من انكار الصانع وتكذيب الرسل وجحد الحشر والنشر والمعاد الى الله في آخر الامر وزعموا انا بعد أن عرفنا ان الانبياء كلهم ممخرقون ومنمسون فانهم يستعبدون الخلق بما يخيلونه اليهم فنون الشعبذة والزرق وقد تفاقم ام محمد واستطارت في الاقطار دعوته واتسعت ولايته واتسقت اسابه وشوكته حتى استولوا على ملك اسلافنا وانهمكوا في التنعم في الولايات مستحقرين عقولنا وقد طبقوا وجه الارض ذات الطول والعرض ولا مطمع في مقاومتهم بقتال ولا سبيل الى استنزالهم عما اصروا عليه الا بمكر واحتيال ولو شافهناهم بالدعاء الى مذهبنا لتنمروا
علينا وامتنعوا من الإصغاء الينا فسبيلنا ان ننتحل عقيدة طائفة من فرقهم هم اركهم عقولا واسخفهم رأيا وألينهم عريكة لقبول المحالات واطوعهم للتصديق بالأكاذيب المزخرفات وهم الروافض ونتحصن بالانتساب إليهم والاعتزاء الى اهل البيت عن شرهم ونتودد اليهم بما يلائم طبعهم من ذكر ما تم على سلفهم من الظلم العظيم والذل الهائل ونتباكى لهم على ما حل بآل محمد صلى الله عليه و سلم ونتوصل به الى تطويل اللسان في أئمة سلفهم الذين هم اسوتهم وقدوتهم حتى إذا قبحنا أحوالهم في أعينهم وما ينقل إليهم شرعهم بنقلهم وروايتهم اشتد عليهم باب الرجوع إلى الشرع وسهل علينا استدراجهم إلى الانخلاع عن الدين وان بقي عندهم معتصم من ظواهر القرآن ومتواتر الاخبار أوهمنا عندهم ان تلك الظواهر لها أسرار وبواطن وان امارة الاحمق الانخداع بظواهرها وعلامة الفطنة اعتقاد بواطنها ثم نبث ايهم عقائدنا ونزعم انها المراد بظواهر القرآن ثم اذا تكثرنا بهؤلاء سهل علينا استدراج سائر الفرق بعد التحيز الى هؤلاء والتظاهر بنصرهم
ثم قالوا طريقنا ان نختار رجلا ممن يساعدنا على المذهب ونزعم انه من اهل البيت وانه يجب على كافة الخلق مبايعته وتتعين عليهم طاعته فانه خليفة رسول الله ومعصوم عن الخطأ والزلل من جهة الله تعالى
ثم لا نظهر هذه الدعوة على القرب من جوار الخليفة الذي وسمناه بالعصمة فان قرب الدار ربما يهتك هذه الاستار واذا بعدت الشقة وطالت المسافة فمتى يقدر المستجيب الى الدعوة ان يفتش عن حاله وان يطلع على حقيقة امره ومقصدهم بذلك كله الملك والاستيلاء والتبسط في اموال المسلمين وحريمهم والانتقام منهم فيما اعتقدوا فيهم وعاجلوهم به من النهب والسفك وافاضوا عليهم من فنون البلاء
فهذه غاية مقصدهم ومبدأ امرهم ويتضح لك مصداق ذلك بمال سنجليه من خبائث مذهبهم وفضائح معتقدهم
الباب الثالث في درجات حيلهم وسبب الاغترار بها مع ظهور فسادها وفيه
فصلان الفصل الاول في درجات حيلهم
وقد نظموها على تسع درجات مرتبة ولكل مرتبة اسم اولها الزرق والتفرس ثم التأنيس ثم التشكيك ثم التعليق ثم الربط ثم التدليس ثم التلبيس ثم الخلع ثم السلخ ولنبين الآن تفصيل كل مرتبة من هذه المراتب ففي الاطلاع على هذه الحيل فوائد جمة لجماهير الامة
اما الزرق والتفرس فهو انهم قالوا ينبغي أن يكون الداعي فطنا ذكيا صحيح الحدس صادق الفراسة متفطنا للبواطن بالنظر الى الشمائل والظواهر وليكن قادرا على ثلاثة امور الاول وهو اهمها ان يميز بين من يجوز ان يطمع في استدراجه ويوثق بلين عريكته لقبول ما يلقى اليه على خلاف معتقده فرب رجل جمود على ما سمعه لا يمكن ان ينتزع من نفسه ما يرسخ فيه فلا يضيعن الداعي كلامه مع مثل هذا وليقطع
طمعه منه وليلتمس من فيه انفعال وتأثر بما يلقى إليه من الكلام وهم الموصوفون بالصفات التي سنذكرها في الفصل الذي يلي هذا الفصل
وينبغي ان نتقي بكل حال بث البذر في السبخ والدخول الى بيت فيه سراج يعني به الزجر عن دعوة العباسية مد الله دولتهمم إرغاما لأنوف أعدائها فان ذلك لا ينغرس أبد الدهر في نفوسهم كما لا ينغرس البذر في الأرض السبخة بزعمهم ويزجرون أيضا عن دعوة الأذكياء من الفضلاء وذوي البصائر بطرق الجدال ومكامن الاحتيال وبه يعنون الزجر عن بيت فيه سراج
الثاني أن يكون مشتعل الحدس ذكي الخاطر في تعبير الظواهر وردها الى البواطن اما اشتقاقا من لفظها او تلقيا من عددها او تشبيها لها بما يناسبها وبالجملة فإذا لم يقبل المستجيب منه تكذيب القرآن والسنة فينبغي ان يستخرج من قلبه معناه الذي فهمه ويترك معه اللفظ منزلا على معنى يناسب هذه البدعة فانه لو شافهه بالتكذيب لم يقبل منه
الثالث من الزرق والتفرس ألا يدعوو كل أحد إلى مسلك
واحد بل يبحث أولا عن معتقده وما اليه ميله في طبعه ومذهبه فاما طبعه فان رآه مائلا الى الزهد والتقشف والتقوى والتنظف دعاه الى الطاعة والانقياد واتباع الأمر من المطاع وزجره عن اتباع الشهوات وندبه الى وظائف العبادات وتأدية الامانات من الصدق وحسن المعاملة والاخلاق الحسنة وخفض الجناح لذوي الحاجات ولزوم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وان كان طبعه مائلا الى المجون والخلاعة قرر في نفسه ان العبادة بله وان الورع حماقة وان هؤلاء المعذبين بالتكاليف مثالهم مثال الحمر المعناة بالأحمال الثقيلة وانما الفطنة في اتباع الشهوة ونيل اللذة وقضاء الوطر من هذه الدنيا المنقضية التي لا سبيل الى تلافي لذاتها عند انقضاء العمر وأما حال المدعو من حيث المذهب فان كان من الشيعة فلنفاتحه بان الأمر كله في بغض بني تيم وبني عدي وبني امية وبني العباس وأشياعهم وفي التبري منهم ومن اتباعهم وفي تولي الأئمة الصالحين وفي انتظار خروج المهدي وان كان المدعو ناصبيا ذكر له ان الامة انما اجمعت على ابي بكر وعمر ولا يقدم الا من قدمته الامة حتى اذا اطمأن اليه قلبه ابتدأ بعد ذلك يبث الاسرار على سبيل الاستدراج المذكور بعد وكذلك ان كان من اليهود والمجوس والنصارى حاوره بما يضاهي مذهبهم من معتقداته فان معتقد الدعاة ملتقط من فنون
البدع والكفر فلا نوع من البدعة الا وقد اختاروا منه شيئا ليسهل عليهم بذلك مخاطبة تلك الفرق على ما سنحكي من مذهبهم
اما حيلة التأنيس فهو ان يوافق كل من هو بدعوته في أفعال يتعطاها هو ومن تميل اليه نفسه واول ما يفعل الانس بالمشاهدة على ما يوافق اعتقاد المدعو في شرعه وقد رسموا للدعاة والمأذونين ان يجعلوا مبيتهم كل ليلة عند واحد من المستجيبين ويجتهدون في استصحاب من له صوت طيب في قراءة القرآن ليقرأ عندهم زمانا ثم يتبع الداعي ذلك كله بشئ من الكلام الرقيق واطراف من المواعظ اللطيفة الآخذه بمجامع القلوب ثم يردف ذلك بالطعن في السلاطين وعلماء الزمان وجهال العوام ويذكر ان الفرج منتظر من كل ذلك ببركة اهل بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو فيما بين ذلك يبكي احيانا ويتنفس الصعداء واذا ذكر آية او خبرا ذكر ان لله سرا في كلماته لا يطلع عليها إلا من اجتباه الله من خلقه وميزه بمزيد لطفه فان قدر على ان يتهجد بالليل مصليا وباكيا عند غيبة صاحب البيت بحيث يطلع عليه صاحب البيت ثم اذا احس بانه اطلع عليه عاد الى مبيته واضطجع كالذي يقصد اخفاء عبادته وكل ذلك ليستحكم الانس به ويميل القلب الى الاصغاء الىكلامه فهذه هي مرتبة التأنيس
وأما حيلة التشكيك فمعناه ان الداعي ينبغي له بعد التأنيس ان يجتهد في تغيير اعتقاد المستجيب بان يزلزل عقيدته فيما هو مصمم عليه وسبيله ان يبتدئه بالسؤال عن الحكمة في مقررات الشرائع وغوامض المسائل وعن المتشابه من الايات وكل ما لا ينقدح فيه معنى معقول فيقول في معنى المتشابه ما معنى الر وكهيعص وحم عسق الى غير ذلك من اوائل السور ويقال أترى ان تعيين هذه الحروف جرى وفقا بسبق اللسان او قصد تعيينها لاسرار هي مودعة تحتها لم تصادف في غيرها وما عندي ان ذلك يكون هزلا وعبثا بلا فائدة ويشكك في الاحكام
ما بال الحائض تقضي الصوم دون الصلاة ما بال الاغتسال يجب من المني الطاهر ولا يجب من البول النجس ويشككه في أخبار القرآن فيقول ما بال ابواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة وما معنى قوله ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية و قوله تعالى88 عليها تسعة عشر 88 أفترى ضاقت القافية فلم يكمل العشرين أو جرى ذلك وفاقا بحكم سبق اللسان أو قصدا لهذا التقييد ليخيل أن تحته سرا و أنه في نفسه لسر ليس يطلع عليه إلا الأنبياء و الأئمة الراسخون في العلم ما عندي أن ذلك يخلو عن سر وينفك من فائدة كامنة والعجب من غفلة الخلق عنها لا يثمرون عن ساق الجد في طلبها ثم يشككه في خلقة العالم وجسد الآدمي ويقول لم كانت السموات سبعا دون ان تكون ستة او ثماني ولم كانت الكواكب
السياره سبعة والبروج اثنى عشر ولم كان في رأس الآدمي سبع ثقب العينان والاذنان والمنخران والفم وفي بدنه ثقبان فقط ولم جعل رأس الآدمي على هيئة الميم ويداه إذا مدها على هيئة الحاء والعجز على هيئة الميم والرجلان على هيئة الدال بحيث إذا جمع الكل يشكل بصورة محمد أفترى أن فيه تشبيها ورمزا ما أعظم هذه العجائبا وما أعظم غفله الخلق عنها ولا يزال يورد عليه هذا الجنس حتى يشككه وينقدح في نفسه أن تحت هذه الظواهر أسرارا سدت عنه وعن اصحابه وينبعث منه شوق الى طلبه وأما حيلة التعليق فبأن يطوي عنه جوانب هذه الشكوك إذا هو استكشفه عنها ولا ينفس عنه أصلا بل يتركه معلقا ويهول الامر عليه ويعظمه في نفسه ويقول له لا تعجل فان الدين اجل من ان يبعث به او ان يوضع في غير موضعه ويكشف لغير أهله هيهات هيهات ... جئتماني لتعلما سر سعدي ... تجداني بسر سعدي شحيحا
ثم يقول له لا تعجل ان ساعدتك السعادة سنبث اليك سر ذلك أما سمعت قول صاحب الشرع ان هذا الدين متين فاوغل فيه برفق فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهر أبقى
وهكذا لا يزال يسوقه ثم يدافعه حتى إن رآه أعرض عنه واستهان
به وقال مالي ولهذا الفضول وكان لا يحيك في صدره حرارة هذه الشكوك قطع الطمع عنه وان رآه متعطشا اليه وعده في وقت معين وأمره بتقديم الصوم والصلاة والتوبة قبله وعظم امر هذا السر المكتوم حتى اذا وافى الميعاد قال له ان هذه الاسرار مكتومة لا تودع الا في سر محصن فحصن حرزك واحكم مداخله حتى اودعه فيه فيقول المستجيب وما طريقه فيقول ان آخذ عهد الله وميثاقه على كتمان هذا السر ومراعاته عن التضييع فانه الدر الثمين والعلق النفيس وادنى درجات الراغب فيه صيانته عن التضييع وما اودع الله هذه الاسرار أنبياءه الا بعد أخذه عهدهم وميثاقهم وتلا قوله تعالى وإذا اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح الاية وقال تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وقال تعالى ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وأما النبي صلى الله عليه و سلم فلم يفشه الا بعد أخذ العهد على الخلفاء واخذ البيعة على الانصار تحت الشجرة فان كنت راغبا فاحلف لي على كتمانه وانت بالخيرة بعده فان وفقت لدرك حقيقته سعدت سعادة عظيمة وان اشمأزت نفسك عنه فلا غرو فان كلا ميسر لما خلق له ونحن نقدر كانك لم تسمع ولم تحلف ولا ضير عليك في يمين صادقة فان أبى الحلف خلاه وإن انعم وأجاب فيه وجه الحلف واستوفاه
وأما حيلة الربط فهو ان يربط لسانه بأيمان مغلظة وعهود مؤكدة لا يجسر على المخالفة لها بحال وهذه نسخة العهد يقول الداعي للمستجيب جعلت على نفسك عهد الله و ميثاقه و ذمة رسوله عليه السلام و ما أخذ الله على النبيين من عهد و ميثاق أنك تسر ما سمعته مني وتسمعه وعلمته وتعلمه من امري وامر المقيم بهذه البلدة لصاحب الحق الامام المهدي وامور اخوانه واصحابه وولده واهل بيته وامرو المطيعين له على هذا الدين ومخالصة المهدي ومخالصة شيعته من الذكور والاناث والصغار والكبار ولا تظهر من ذلك قليلا ولا كثيرا تدل به عليه الا ما اطلقت لك ان تتكلم به او اطلق لك صاحب الامر المقيم في هذا البلد او غيره فتعمل حينئذ بمقدار ما نرسمه لك ولا تتعداه جعلت على نفسك الوفاء بما ذكرته لك وألزمته نفسك في حال الرغبة والرهبة والغضب والرضا وجعلت على نفسك عهد الله وميثاقه ان تتبعني وجميع من اسميه لك وأبينه عندك مما تمنع منه نفسك وان تنصح لنا وللآمام ولي الله نصحا ظاهرا وباطنا والا تخون الله ولا وليه ولا احدا من إخوانه وأوليائه ومن يكون منه ومنا بسبب من اهل ومال ونعمة وانه لا رأي ولا عهد تتناول على هذا العهد بما يبطله
فان فعلت شيئا من ذلك وانت تعلم انك قد خالفته فانت برئ من الله ورسله الأولين والآخرين ومن ملائكته المقربين ومن جميع ما انزل من كتبه على انبيائه السابقين وانت خارج من كل دين وخارج من حزب الله وحزب اوليائه وداخل في حزب الشيطان وحزب اوليائه وخذلك الله خذلانا بينا يعجل لك بذلك النقمة والعقوبة ان خالفت شيئا مما حلفتك عليه بتأويل او بغير تأويل فان خالفت شيئا من ذلك فلله عليك ان تحج الى بيته ثلاثين حجة نذرا واجبا ماشيا حافيا وان خالفت ذلك فكل ما تملكه في الوقت الذي تحلف فيه صدقة على الفقراء والمساكين الذين لا رحم بينك وبينهم وكل مملوك يكون لك في ملكك يوم تخالف فيه فهم احرار وكل امرأة تكون لك او تتزوجها في قابل فهي طالق ثلاثا بتة ان خالفت شيئا من ذلك وان نويت او اضمرت في يميني هذه خلاف ما قصدت فهذه اليمين من اولها الى آخرها لازمة لك والله الشاهد على صدق نيتك وعقد ضميرك وكفى بالله شهيدا بيني وبينك قل نعم فيقول نعم
فهذا هو الربط
واما حيلة التدليس فهو انه بعد اليمين وتأكيد العهد لا يسمح ببث
الاسرار اليه دفعة واحدة ولكن يتدرج فيه ويراعى امورا الأول انه يقتصر في اول وهلة على ذكر قاعدة المذهب ويقول منار الجهل تحكيم الناس عقولهم الناقصة وآرائهم المتناقضة واعراضهم عن الاتباع والتلقي من اصفياء الله وائمته واوتاد أرضه والذين هم خلفاء رسوله من بعده فمنهم الذي اودعه الله سره المكنون ودينه المخزون وكشف لهم بواطن هذه الظواهرواسرار هذه الامثلة وان الرشد والنجاة من الضلال بالرجوع الى القران واهل البيت ولذلك قال عليه السلام لماقيل ومن أين يعرف الحق بعدك فقال الم اترك فيكم القرآن وعترتي وأراد به اعقابه فهم الذين يطلعون على معاني القرآن ويقتصر في اول وهلة على هذا القدر ولا يفصح عن تفصيل ما يقوله الإمام
الثاني ان يحتال لإبطال المدرك الثاني من مدارك الحق وهو ظواهر القرآن فان طالب الحق إما أن يفزع الى التفكر والتأمل والنظر في مدارك العقول كما أمر الله سبحانه وتعالى به فيفسد نظر العقل عليه بإيجاب التعلم والاتباع او يفزع الى ظواهر القرآن والسنة ولو صرح له بانه تلبيس ومحدث لم يسمع منه فليسلم له لفظه ولينزع عن قلبه معناه بان يقول هذا الظاهر له باطن هو اللباب والظاهر قشر بالاضافة اليه يقنع به من تقاعد به القصور عن درك الحقائق حتى لا يبقى له معتصم من عقل ومستروح من نقل
الثالث ألا يظهر من نفسه انه مخالف للأمة كلهم وانه منسلخ عن الدين والنحلة إذ تنفر القلوب عنه ولكن يعتزي إلى ابعد الفرق عن المسلك المستقيم وأطوعهم لقبول الخرافات ويتستر بهم ويتجمل بحب اهل البيت وهم الروافض
الرابع هو أن يقدم في اول كلامه أن الباطل ظاهر جلي والحق دقيق بحيث لو سمعه الأكثرون لأنكروه ونفروا عنه وان طلاب الحق والقائلين به من بين طلاب الجهل أفراد وآحاد ليهون عليه التميز عن العامة في إنكار نظر العقل وظواهر ما ورد به النقل
الخامس إن رآه نافرا عن التفرد عن العامة فيقول له إني مفش إليك سرا وعليك حفظه فإذا قال نعم قال إن فلانا وفلانا يعتقدون هذا المذهب ولكنهم يسرونه ويذكر له من الأفاضل من يعتقد المستجيب فيه الذكاء والفطنة وليكن ذلك المذكور بعيدا عن بلده حتى لا يتيسر له المراجعة كما جعلوا الدعوة بعيدة عن مقر امامهم ووطنه فانهم لو أظهروها في جواره لافتضحوا بما يتواتر من أخباره واحواله
السادس ان يمنيه بظهور شوكة هذه الطائفة وانتشار أمرهم وعلو رأيهم وظفر ناصريه بأعدائهم واتساع ذات يدهم ووصول كل واحد منهم الى مراده حتى تجتمع لهم سعادة الدنيا والاخرة ويعزى بعض ذلك الى
النجوم وبعضه الى الرؤيا في المنام إن امكنه وضع منامات تنتهي الى المستجيب على لسان غيره
السابع ألا يطول الداعي إقامته ببلد واحدة فانه ربما اشتهر امره وسفك دمه فينبغي ان يحتاط في ذلك فيلبس على الناس امره ويتعرف الى كل قوم باسم واخر وليغير في بعض الاوقات هيئته ولبسته خوف الآفات ليكون ذلك ابلغ في الاحتياط
ثم بعد هذه المقدمات يتدرج قليلا قليلا في تفصيل المذهب للمستجيب وذكره له على ما سنحكي من معتقده وأما حيلة التلبيس فهو ان يواطئه على مقدمات يتسلمها منه مقبولة الظاهر مشهورة عند الناس ذائعة ويرسخ ذلك في نفسه مدة ثم يستدرجه منها بنتائج باطلة كقوله ان اهل النظر لهم أقاويل متعارضة الأحوال متساوية وكل حزب بما لديهم فرحون والمطلع على الجوهر الله ولا يجوز أن يخفى الله الحق ولا يوجد احد كل الأمر الى الخلق يتخبطون فيه خبط العشواء ويقتحمون فيه العماية العمياء الى غير ذلك من مقدمات يت مستعصلة
وأما حيلة الخلع والسلخ وهي هما متفقان وانما يفترقان في ان الخلع يختص بالعمل فإذا أفضوا بالمستجيب إلى ترك حدود الشرع وتكاليفه يقولون وصلت الى درجة الخلع أما السلخ فيختص بالاعتقاد الذي هو خلع الدين فاذا انتزعوا ذلك من قلبه دعوا ذلك سلخا وسميت هذه الرتبة البلاغ الأكبر فهذا تفصيل تدريجهم الخلق واستغوائهم فلينظر الناظر فيه وليستغفر الله من الضلال في دينه
الفصل الثاني في بيان السبب في رواج حيلتهم وانتشار دعوتهم مع ركاكة
حجتهم وفساد طريقتهم
فإن قيل ما جليتموه من العظائم لا يتصور ان يخفي على عاقل وقد رأينا خلقا كثيرا وجما غفيرا من الناس يتابعونهم في معتقدهم وتابعوهم في دينهم فلعلكم ظلمتموهم بنقل هذه المذاهب عنهم في خلاف ما يعتقدونه
وهذا هو القريب الممكن فانهم لو أظهروا هذه الاسرار نفرت القلوب عنهم واطلعت النفوس على مكرهم وما باحوا بها الا بعد العهود والمواثيق وصانوها إلا عن موافق لهم في الاعتقاد فمن اين وقع لكم الاطلاع عليها وهم يسترون ديانتهم ويستنبطون بعقائدهم قلت أما الإطلاع على ذلك فانما عثرنا عليه من جهة خلق كثير تدينوا بدينهم واستجابوا لدعوتهم ثم تنبهوا لضلالهم فرجعوا عن غوايتهم الى الحق المبين فذكروا ما ألقوا اليهم من الأقاويل واما سبب انقياد الخلق اليهم في بعض أقطار الأرض فانهم لا يفشون هذا الامر الا الى بعض المستجيبين لهم ويوصون الداعي ويقولون له إياك ان تسلك بالجميع مسلكا واحدا فليس كل من يحتمل قبول هذه المذاهب يحتمل الخلع والسلخ ولا كل من يحتمل الخلع يحتمل السلخ فليخاطب الداعي الناس على قدر عقولهم
فهذا هو السبب في تعلق هذه الحيل ورواجها
فإن قيل هذا أيضا مع الكتمان ظاهر البطلان فكيف ينخدع بمثله عاقل قلنا لا ينخدع به الا المائلون عن اعتدال الحال واستقامة الرأي فللعقلاء عوارض تعمى عليهم طرق الصواب وتقضي عليهم بالانخداع بلامع السراب وهي ثمانية أصناف
الصنف الاول طائفة ضعفت عقولهم
وقلت بصائرهم وسخفت في امور الدين آراؤهم لما جبلوا عليه من البله والبلادة مثل السواد وأفجاج العرب والأكراد وجفاة الأعاصم وسفهاء الأحداث ولعل هذا الصنف هم أكبر الناس عددا وكيف يستبعد قبولهم لذلك ونحن نشاهد جماعة في بعض المدائن القريبة من البصرة يعبدون أناسا يزعمون أنهم ورثوا الربوبيه من آبائهم المعروفين بالشباسية وقد اعتقدت طائفة في علي رضي الله عنه انه إله السموات والارض رب العالمين وهم خلق كثير لا يحصرهم عدد ولا يحويهم بلد فلا ينبغي أن يكثر التعجب من جهل الإنسان إذا استحوذ عليه الشيطان واستولى عليه الخذلان
الصنف الثاني طائفة انقطعت الدولة عن أسلافهم بدولة الاسلام كأبناء الأكاسرة والدهاقين وأولاد المجوس المستطيلين فهؤلاء موتورون قد استكن الحقد في صدورهم كالداء الدفين فإذا حركته تخاييل المبطلين اشتعلت نيرانه في صدورهم فأذعنوا لقبول كل محال تشوقا الى درك ثأرهم وتلافي امورهم
الصنف الثالث طائفة لهم همم طامحة الى العلياء متطلعة الى التسلط والاستيلاء إلا انه ليس يساعدهم الزمان بل يقصر بهم عن الأتراب والأقران طوارق الحدثان فهؤلاءإذا وعدوا بنيل امانيهم وسول لهم الظفر بأعاديهم سارعوا الى قبول ما يظنونه مفضيا الى مآربهم وسالكا الى أوطارهم ومطالبهم فلطالما قيل حبك الشيئ يعمي ويصم ويشترك في هذا كل من دهاه من طبقة الاسلام آمر يلم به وكان لا يتوصل الى الإنتصار
ودرك الثأرالابالاستظهار بهؤلاءالاغبياءالأغمار فتتوفر دواعيه على قبول ما يرى الأمنية فيه
الصنف الرابع طائفة جبلوا على حب التميز عن العامة والتخصص عنهم ترفعا عن مشابهتهم وتشرفا بالتحيز الى فئة خاصة تزعم انها مطلعة على الحقائق وان كافة الخلق في جهالتهم كالحمر المستنفرة والبهائم المسيبة وهذا هو الداء العضال المستولي على الأذكياء فضلا عن الجهال الاغبياء وكل ذلك حب للنادر الغريب ونفرة عن الشائع المستفيض وهذه سجية لبعض الخلق على ما شهدت به التجربة وتدل عليه المشاهدة
الصنف الخامس طائفة سلكوا طرق النظر ولم يستكملوا فيه رتبة الاستقلال وان كانوا قد ترقوا عن رتبة الجهال فهم أبدا متشوقون الى التكاسل والتغافل وإظهار التفطن لدرك امور تتخيل العامه بعدها وينفرون عنها لا سيما إذا نسب الشئ الى مشهور بالفضل فيغلب على الطبع التشوق الى التشبه به فكم من طوائف رأيتهم اعتقدوا محض الكفر تقليدا لافلاطن وأرسططاليس وجماعة من الحكماء قد اشتهروا بالفضل وداعيهم الى ذلك التقليد وحب التشبه بالحكماء والتحيز الى غمارهم والتحيز عمن يعتقد انه في الذكاء والفضل دونهم فهؤلاء يستجرون الى هذه البدعة بإضافتها الى من يحسن اعتقاد المستجيب فيه فيبادر الى قبوله تشفعا بالتشبه بالذي ذكر انه من منتحليه
الصنف السادس طائفة اتفق نشؤوهم بين الشيعة والروافض واعتقدوا التدين بسب الصحابة ورأوا هذه الفرقة تساعدهم عليها فمالت نفوسهم الى المساعدة لهم والاستئناس بهم وانجرت معهم الى ما وراء ذلك من خصائص مذهبهم
الصنف السابع طائفة من ملحدة الفلاسفة والثنوية والمتحيرة في الدين اعتقدوا أن الشرائع نواميس مؤلفة وان المعجزات مخاريق مزخرفة فإذا رأوا هؤلاء يكرمون من ينتمي إليهم ويفيضون ذخائر الأموال عليهم انتدبوا لمساعدتهم طلبا لحطام الدنيا واستحقارا لامر العقبى وهذه الطائفة هم الذين لفقوا لهم الشبه وزينوا لهم بطريق التمويه الحجج وسووها على شروط الجدل وحدود المنطق من حيث الظاهر وغبوا مكامن التلبيس والمغالطة فيها تحت ألفاظ مجملة وعبارات كلية مبهمة قلما يهتدي الناظر الضعيف الى فك تعقيدها وكشف الغطاء عن مكمن تدليسها على ما سنورد ما لفقوه وننبه على المسلك الذي سلكوه ونهجوه ونكشف عن فساده من عدة وجوه
الصنف الثامن طائفة استولت عليهم الشهوات فاستدرجتهم متابعة اللذات واشتد عليهم وعيد الشرع وثقلت عليهم تكاليفه فليس يتهنأ عيشهم إذا قرفوا بالفسق والفجور وتوعدوا بسوء العاقبة في الدار الآخرة فإذا صادفوا من يفتح لهم الباب ويرفع عنهم الحجز والحجاب ويحسن لهم ما هم مستحسنون له بالطبع تسارعوا الى التصديق بالرغبة والطوع وكل انسان مصدق لما يوافق هواه ويلائم غرضه ومناه فهؤلاء ومن يجري مجراهم هم الذين عدموا التوفيق فانخدعوا بهذه المخاريق وزاغوا عن سواء الطريق وحدود التحقيق
الباب الرابع في نقل مذاهبهم جملة وتفصيلا
أما الجملة فهو أنه مذهب ظاهره الرفض وباطنه الكفر المحض ومفتتحه حصر مدارك العلوم في قول الإمام المعصوم وعزل العقول عن أن تكون مدركة للحق لما يعتريها من الشبهات ويتطرق الى النظار من الاختلافات وايجاب لطلب الحق بطريق التعليم والتعلم وحكم بان المعلم المعصوم هو المستبصر وانه مطلع من جهة الله على جميع اسرار الشرائع يهدي الى الحق ويكشف عن المشكلات وان كل زمان فلا بد فيه من امام معصوم يرجع اليه فيما يستبهم من امور الدين
هذا مبدأ دعوتهم ثم انهم بالآخرة يظهرون ما يناقض الشرع وكأنه غاية مقصدهم لان سبيل دعوتهم ليس بمتعين في فن واحد بل يخاطبون كل فريق بما يوافق رأيه بعد أن يظفروا منهم بالانقياد لهم والموالاة لامامهم فيوافقون اليهود والنصارى والمجوس على جملة معتقداتهم ويقرونهم عليها فهذه جملة المذاهب
وأما تفصيله فيتعلق بالالهيات والنبوات والإمامة والحشر والنشر وهذه أربعة أطراف وأنا مقتصر في كل طرف على نبذة يسيرة من حكاية
مذهبهم فإن النقل عنهم مختلف وأكثر ما حكي عنهم إذا عرض عليهم انكروه وإذا روجع فيه الذين استجابوا لدعوتهم جحدوه والذي قدمناه في جملة مذهبهم يقتضي لا محالة ان يكون النقل عنهم مختلفا مضطربا فانهم لا يخاطبون الخلق بمسلك واحد بل غرضهم الاستتباع والاحتيال فلذلك تختلف كلمتهم ويتفاوت نقل المذهب عنهم فان ما حكي عنهم في الخلع والسلخ لا يظهرونه إلا مع من بلغ الغاية القصوى بل ربما يخاطبون بالخلع من ينكرون معه السلخ فلنرجع إلى بيان أطراف المذهب
الطرف الاول في معتقدهم في الالهيات وقد اتفقت أقاويل نقله المقالات من غير تردد انهم قائلون بإلهين قديمين لا أول لوجودهما من حيث الزمان الا ان احدهما علة لوجود الثاني واسم العلة السابق واسم المعلول التالي وان السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه وقد يسمى الاول عقلا والثاني نفسا ويزعمون ان الأول هو التام بالفعل والثاني بالاضافة اليه ناقص لانه معلوله وربما لبسوا على العوام مستدلين بآيات من القرآن عليه كقوله تعالى إنا نحن نزلنا و نحن قسمنا وزعموا ان هذه إشارة الى جمع لا يصدر عن واحد ولذلك قال سبح اسم ربك الاعلى إشارة الى السابق من الالهين فانه الاعلى ولولا ان معه إلها آخر له العلو أيضا لما انتظم إطلاق الأعلى وربما
قالوا الشرع سماهما باسم القلم واللوح والأول هو القلم فان القلم مفيد واللوح مستفيد متأثر والمفيد فوق المستفيد وربما قالوا اسم التالي قدر في لسان الشرع وهو الذي خلق الله به العالم حيث قال إنا كل شئ خلقناه بقدر
ثم قالوا السابق لا يوصف بوجود ولا عدم فان العدم نفى والوجود سببه فلا هو موجود ولا هو معدوم ولا هو معلوم ولا هو مجهول ولا هو موصوف ولا غير موصوف وزعموا أن جميع الاسامي منتفية عنه وكأنهم يتطلعون في الجملة لنفي الصانع فانهم لو قالوا إنه معدوم لم يقبل منهم بل منعوا الناس من تسميته موجودا وهو عين النفي مع تعيير العبارة لكنهم تحذقوا فسموا هذا النفي تنزيها وسموا مناقضه تشبيها حتى تميل القلوب الى قبوله ثم قالوا العالم قديم أي وجوده ليس مسبوقا بعدم زماني بل حد