بسم الله الرحمن الرحيم خلافة يزيد بن معاوية قال ( 1 ) هشام بن محمد عن ابي مخنف : ولي يزيد في هلال رجب سنة 60 وامير المدينة الوليد بن عتبة بن ابي سفيان ، وامير الكوفة النعمان بن بشير الانصاري ، وامير البصرة عبيدالله بن زياد ، وامير مكة عمرو بن سعيد بن العاص . ولم يكن ليزيد همة حين ولي الابيعة النفر
* هامش *
(1) هشام بن محمد بن السائب أبو المنذر الناسب الكلبي الاخباري النسابة العلامة ، روى عن ابيه ابي النضر الكلبي المفسر وعن مجالد ، وحدث عنه جماعة . قال احمد بن حنبل : انما كان صاحب سمر ونسب ،
وقيل : ان تصانيفه ازيد من مأة وخمسين مصنفا ، مات سنة اربع ومأتين ، ومن الرواة عنه محمد بن سعيد وولده العباس بن هشام ، وكان واسع الحفظ جدا .
وذكره ابن ابي طي في الامامية وقص له قصة مع جعفر الصادق رحمه الله تعالى ، ونقل أبو الفرج الاصبهاني عن ابي يعقوب الحريمى قال : كان هشام بن الكلبي علامة نسابة وراوية للمثالب ، وبلغت كتبه كما عدها ابن النديم في الفهرست مأة واربعة واربعين كتابا . ( * )
- ص 3 -
الذين أبوا على معاوية الاجابة إلى بيعة يزيد حين دعا الناس إلى بيعته ، وانه ولي عهده بعده والفراغ من امرهم ، فكتب إلى الوليد :
بسم الله الرحمن الرحيم من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة اما بعد : فان معاوية كان عبدا من عباد الله اكرمه الله واستخلفه وخوله ومكن له فعاش بقدر ومات بأجل فرحمه الله فقد عاش محمودا ومات برا تقيا والسلام .
وكتب إليه في صحيفة كأنها أذن فأرة أما بعد : فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة اخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام .
فلما اتاه نعى معاوية فظع به وكبر عليه فبعث إلى مروان بن الحكم فدعاه إليه وكان الوليد يوم قدم المدينة قدمها مروان متكارها . فلما راى ذلك الوليد منه شتمه عند جلسائه ، فبلغ ذلك مروان فجلس عنه وصرمه فلم يزل كذلك حتى جاء نعى معاوية إلى الوليد ،
* هامش *
= ميزان الاعتدال ( ج 4 ص 304 ) لسان الميزان ( ج 6 ص 196 )
وقال النجاشي هو العالم بالايام المشهور بالفضل والعلم ، وله الحديث المشهور قال : اعتللت علة عظيمة نسيت علمي فجلست إلى جعفر بن محمد عليه السلام فسقاني العلم في كأس فعاد الي علمي وكان أبو عبد الله عليه السلام يقربه ويدنيه وينشطه .
تنقيح المقال ( ج 3 ص 303 ط المطبعة المرتضوية بالنجف الاشرف ) . ( * )
- ص 4 -
فلما عظم على الوليد هلاك معاوية وما امر به من اخذ هؤلاء الرهط بالبيعة فزع عند ذلك إلى مروان ودعاه .
فلما قرأ عليه كتاب يزيد استرجع وترحم عليه ، واستشاره الوليد في الامر وقال كيف ترى ان نصنع ؟ قال : فاني ارى ان تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة فان فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم ، وان ابواقدمتهم
فضربت اعناقهم قبل ان يعلموا بموت معاوية فانهم ان علموا بموت معاوية وثب كل امرى منهم في جانب واظهر الخلاف والمنابذة ودعا إلى نفسه ، ( 1 ) لا أدري اما ابن عمر فاني لا أراه يرى القتال ولا يحب أنه يولى على الناس الا أن يدفع
إليه هذا الامر عفوا ، فارسل عبدالله بن عمرو بن عثمان وهو إذ ذاك غلام حدث اليهما يدعوهما ، فوجدهما في المسجد وهما جالسان ، فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس ولا يأتيانه في مثلها ، فقال : اجيبا الامير يدعو كما ، ( 2 ) فقال
له : انصرف الان نأتيه . ثم اقبل احدهما على الاخر فقال عبدالله بن الزبير للحسين : ظن فيما تراه بعث الينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها ، فقال حسين : قد ظننت ارى طاغيتهم قد هلك فبعث الينا ليأخذنا بالبيعة قبل ان يفشو في الناس الخبر .
* هامش *
(1) الظاهر أنه زائد ويؤيد هذا عدم ذكره في الكامل لابن أثير الجزرى .
(2) في الكامل : فقالا . ( * )
- ص 5 -
فقال : وانا ما اظن غيره ، قال : فما تريد ان تصنع ؟ قال : اجمع فتياني الساعة ثم امشى إليه ، فإذا بلغت الباب احتبستهم عليه ثم دخلت عليه ، قال فاني اخافه عليه ( 1 ) إذا دخلت ، قال لا آتيه الا وانا على الامتناع قادر ، فقام فجمع إليه مواليه واهل
بيته ثم اقبل يمشي حتى انتهى إلى باب الوليد وقال لاصحابه : اني داخل فان دعوتكم أو سمعتم صوته ( 2 ) قد علا فاقتحموا على باجمعكم والا فلا تبرحوا حتى اخرج اليكم . فدخل فسلم عليه بالامرة ومروان جالس عنده ، فقال حسين كانه لا يظن ما
يظن من موت معاوية : الصلة خير من القطيعة ، اصلح الله ذات بينكما فلم يجيباه في هذا بشئ ، وجاء حتى جلس ، فأقرأه الوليد الكتاب ونعى له معاوية ودعاه إلى البيعة ، فقال حسين : انالله وانا إليه راجعون ورحم الله معاوية وعظم لك الاجر .
أما ما سئلتني من البيعة فان مثلى لا يعطى بيعته سرا ولا اراك تجترئ بها منى سرا دون ان نظهرها على رؤوس الناس علانية ، قال أجل . قال : فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان امرا واحدا ، فقال له الوليد
وكان يحب العافية : فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس ، فقال له مروان : والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم ،
* هامش *
(1) في الكامل : أخافه عليك .
(2) في الكامل : صوتي . ( * )
- ص 6 -
وبينه ، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه .
فوثب عند ذلك الحسين فقال : يابن الزرقاء أنت تقتلني ام هو ؟ كذبت والله وأثمت ، ثم خرج فمر باصحابه فخرجوا معه حتى اتى منزله ، فقال مروان للوليد : عصيتني لا والله لا يمكنك من مثلها من نفسه ابدا .
قال الوليد : وبخ غيرك يا مروان انك اخترت لي التي فيها هلاك ديني ، والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأني قتلت حسينا ، سبحان الله اقتل حسينا ان قال لا ابايع ؟ والله اني لا اظن امرءا يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة .
فقال له مروان : فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت ، يقول هذا له وهو غير الحامد له على رأيه .
وأما ابن الزبير فقال : الان آتيكم ، ثم أتى داره فكمن فيها ، فبعث الوليد إليه فوجده مجتمعا في اصحابه متحرزا ، فألح عليه بكثرة الرسل والرجال في أثر الرجال ، فاما حسين فقال : كف حتى تنظر وننظر وترى ونرى .
واما ابن الزبير فقال لا تعجلوني فاني آتيكم امهلوني ، فألحوا عليهما عشيتهما تلك كلها واول ليلهما وكانوا على حسين اشد ابقاءا .
وبعث الوليد إلى ابن الزبير موالى له فشتموه وصاحوا به يابن الكاهلية والله لتأتين الامير أو ليقتلنك : فلبث بذلك نهاره كله واول ليلة يقول : الان اجيئ .
- ص 7 -
فإذا استحثوه قال : والله لقد استربت بكثرة الارسال وتتابع هذه الرجال فلا تعجلوني حتى أبعث إلى الامير من يأتيني برأيه وامره ، فبعث إليه اخاه جعفر بن الزبير فقال : رحمك الله كف عن عبدالله فانك قد افزعته وذعرته بكثرة رسلك وهو آتيك غدا ان شاء الله ، فمر رسلك فلينصرفوا عنا فبعث إليهم فانصرفوا .
وخرج ابن الزبير من تحت الليل فأخذ طريق الفرع هو وأخوه جعفر ليس معهما ثالث وتجنب الطريق الاعظم مخافة الطلب ، وتوجه نحو مكة ، فلما اصبح بعث إليه الوليد فوجده قد خرج ، فقال مروان : والله ان اخطاء مكة فسرح في اثره الرجال ، فبعث راكبا من موالى بني امية في ثمانين راكبا فطلبوه ولم يقدروا عليه فرجعوا فتشاغلوا عن حسين بطلب عبدالله يومهم ذلك حتى امسوا .
ثم بعث الرجال إلى الحسين عند المساء ، فقال : اصبحوا ثم ترون ونرى ، فكفوا عنه تلك الليلة ولم يلحوا عليه . فخرج حسيين من تحت ليلته وهي ليلة الاحد ليومين بقيا من رجب سنة 60 وكان مخرج ابن الزبير قبله بليلة خرج ليلة السبت فاخذ طريق الفرع فبينا عبدالله بن الزبير يساير اخاه جعفر إذا تمثل جعفر بقول صبرة الحنظلي :
وكل بني ام سيمسون ليلة * ولم يبق من اعقابهم غير واحد
فقال عبدالله : سبحان الله ما أردت إلى ما اسمع يا اخي ، قال والله يا اخي ما اردت به شيئا مما تكره ، فقال : فذاك والله اكره إلى ان يكون جاء على لسانك من غير تعمد ، قال : وكأنه تطير منه .